للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

لهُ ثَبَج، ولا تُخاضُ بهِ اللجج. وناهيكَ من تحرير حلَّ من ابن عبّاد غُرةً في جبين مُلكِه، وواسطة في مُنْتَظم سِلْكِهِ،

واسْتَقَلّ من دولته بأعْبائها، ولاحَ بدْرا منيرا في سمائها، أشرق من لآلئه الإظْلامُ، وعَبِقَتْ بأرَجِهِ

الليالي والأيامُ، ولا يَتَّسِعُ هذا المجموع لاثباث محاسنه وفنونه، وتصرّفه في سهول الإبداع وحُزُونِه،

ولو أشرتُ إلى ذلك، لخرجتُ عما قصدتُ إليه من غرضي، واعتمدتُ عليه. وقد أثبتُّ له فيه ما

يشهد له بالسَّبْق، وفي الثّناء عليه بالحق.

وحكى أبو العباس أحمد بن عبد ربه في كتاب (العقد) عن أبي زيد الأسدي قال: دخلت يوما على

سليمان بن عبد الملك مروان فَوَجدته جالسا على دكان مبلط بالرخام الأحمر، مفروش بالديباج

الأخضر، في وسط بستان قد أينع وأثمر، ويشق البُستان من جانبيه ميدانٌ ينبُت الربيع، وعلى رأس

سليمان وصَائف. كُلُّ واحدة أحسن من الأخرى كأنّما شردن من الجنان، عن غفلة من الرضوان،

يُصْمِينَ بسهام الجُفون، ويُسْبين بقُدود تحكى تَثَنِّي الغُصون، ويُسْفرنَ عن بدور، ويَبْسمْنَ عن دُرِّ لم

تقلد مثله النُّحور. والشمس قد مالت للغروب، وحكت لون المُحِبِّ ساعَة وداعِ المَحْبُوب، وهَبَّ النَّسيمُ

على الغُصون فتَمايَلتْ، وحنَّتِ الأطيار فتَجاوبتْ فقلت: السلامُ عليك أيُّها الأمير، ورحمة الله

وبركاته، وكان مُطرقا، فعندما مَثُلْتُ بين يديه، وسَلَّمْت عليه، رفع رأسه إلي وقال: أبا زيد في هذا

الوقت غشيت حيّنا. فقلت أصلح الله الأمير، أو قدْ قامت القيامة؟ قال: نعم. على أهل الحب. ثم قال

لي: يا أبا زيد ما يَصْلُحُ في هذا الوقت؟ قلت: أصلَحَ الله الأمير. قهْوةٌ صفراء في زُجاجةٍِ بيضاء،

<<  <  ج: ص:  >  >>