للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

سهل في فصل الخريف، وقد جاء الوَسْميِّ، بِرَشٍّ خفيف، واليوم قَد تَجَلَّى في أحْسَنِ مَنْظَرٍ وأَعْجَبِهِ.

وَرَوائِحُ المجْلِسِ تَتَضَوَّعُ بأذْكى نَشْرٍ وَأطْيَبِهِ.

والحسَن جَالسٌ عَلَى سَرِيرِ آبنوس، وأمامه أَباريقُ مُتْرعة بالخمر وكؤوس، وهو ينظر

الى بستانٍ أنيق، والطَّيرُ تَشْدُو في أَفْنَانِه بِلَحْن يُطْرِب، وعلى رأسه غُلامٌ، كأنه البدر، وَجَبينُهُ قَدْ جَمَعَ

بين اللَّيْل والصَّبَاح، وَثَغْرُهُ بين العقِيقِ والأقَاح. فسلمت، فرد السلام عَلَيَّ. ونظر كالمستنطق اليَّ

فقلتُ:

أَلَسْتَ ترَى ديمةً تَهطلُ ... وَهذَا صَبَاحُكَ مُسْتَقبَلُ

وهذا العُقَار وقدْ راعنا ... بِطَلْعَتِهِ الشَّادِنُ الأكحلُ

وقد أَشْكَلَ العَيْشُ في يَوْمِنا ... فيَا حَبَّذَا عَيْشُنا المُشْكِلُ

فقال: العَيْشُ مشكل، فَمَا تَرى؟ قُلْتُ: مُبَاكَرةُ القَصْفِ، وَتَقْرِيبُ الإلْفِ. فقال: شَرْطَ أَنْ تَبِيتَ. قُلتُ:

لكَ الوَفَاءُ على أَنْ يَكونَ هَذَا الواقِفُ عَلَى رَأْسِكَ يَسْقِيني. فَضَحكَ الحَسَن وقال: ذلك لَكَ عَلَى مَافيه،

ثمَّ دَعَا بِالطَّعَامِ والشَّرَابِ، ففَقَدْتُ الغُلام سَاعَةً، ثم إذا به قدْ جَاء مِنَ الحَمَّام، بجبينِ مُشْرق، وكأَن

وَجْهَهُ بَدْرٌ زَاهِر، وقدَّه غُصْنٌ نَاضِر، فقلت:

جَرَّدَهُ الحمامُ عَنْ دُرَّةٍ ... تَلُوحُ فيها عُكَنٌ غَضَّهْْ

<<  <  ج: ص:  >  >>