وكدت لا أتمسك على مركوبي فالتفت إلى خائط بمقربة من الدار، فمشيت إليه،
وسألته عن صاحب الدار. فقال لي: هو رجل من تجار البز. فسألته عن اسمه. فقال: فلان بن فلان.
فقلت: أهو ممن يشرب النبيذ؟ قال لي: نعم، وأحسب أن عنده اليوم راحة. فقلت:
ومن ينادمه؟ فقال: تجار مثله. فبينما أنا واقف مع الخَائط أسأله، إذْ أقبل فَتيان راكبان في أوَّلِ
الدَّرْبِ. فقال الخائط: هذان منادماه اليوم. فسألته عن أسمائِِهما. فقال: فلان وفلان. فقلت: أكون اليوم
طفيليا. فحركت دابَّتي، وداخلتهما. وقلت لهما: جعلت فداكما قد استبطاكما أبو فلان - أعزه الله -
أعني صاحب الدار. وسايرْتُهُماحتَّى بَلَغْنَا البَاب، فأَجَلاَّنِي وقدمانِي. فدخلْتُ، ودَخَلا. فلما رآني معهما،
لم يشك أني منهما، بسبيل أو قادم قدمت عليهما، فرحبَ بي، وأقْعَدَني في أجل المَراتب، ثم جيء
بالطعام، فأكلنا طعاما مختلف الألوان لا أدْرِِي، أطعمه طيب، أم رَائِحتَه. وكنت قبل أن أدْخل المنزل،
قد شممت رائِحَة تلْكَ الأَلْوَان، فَتَمَنَّيْتُها، وشَغَلَني عنها الكف والمعصم. فقلت حينئذ: هذه الألوان!
فمن لي بالكف والمعصم. ثم سرنا الى مجلس المنادمة، فحللنا في أحسن منزل فشربنا أقداحا، ثم
أقبلت جارية راعني جمالها، كأنها قمر، فسلمت، وقعدت، وجئ بعود، فوضع في حجرها، فجسَّتْه،
فاستبنتُ حذقها في جسها للعود، ثم اندفعت تغني:
توهَّمه طَرْفي فأصْبحَ خَدُّه ... وفيه مكَانَ الوهم من ناظِري أُثَرْ
وصافحُه كفي فآلم كفه ... فَمِنْ لَمْسِ كفي في أنَامِله عَقَرْ