وجد مع القوم، فجيء به. فسأله المأمون عن قصته، فقال له: أنا رجل طفيلي.
وخبره مشهور. فأمر المأمون بتأذيبه، على فرط تطفيله، ومخاطرته بنفسه وكان إبراهيم بن المهدي
قائما، بين يدي المأمون. فقال: يا أمير المؤمنين هب لي ذنبه، وأحدثك بحديث عجيب في التطفيل
عن نفسي. قال: قل يا إبراهيم. فحدثه الحكاية المذكورة فتعجب؛ المأمون من كرم ذلك الرجل. وأطلق
الطفيلي، وأعطاه عطية سنية، وأمر ابراهيم باحضار ذلك الرجل فصار بعد ذلك اليوم من خواص
المأمون وأهل مودته ولم يزل معه على أحسن الأحوال في المنادمة وغيرها.
ومما يناسب هذه الحكاية، حدث أبو محمد الشعبي الوراق، وكان على باب (خراسان)، على الجسر
الأول، عن حماد بن إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب الموصلي قال: بينا أنا ذات يوم عند المأمون، وقد
جلا وجهه، وطابت أنفاسُه، إذ قال: يا اسحاق هذا يوم خلوة وطيب. فقلت: طيب الله عيش أمير
المؤمنين، وأدام سروره وفرحه. فقال: يا غلمان صدوا علينا الباب، واحضروا الشراب. قال: ثم أخذ
بيدي، وأدخلني مجلساً غير المجلس الذي كنا فيه، واذا به قد نصب فيه كل ما يحتاج اليه، حتى كأنه
كل شيء كان قد تقدم الإذن فيه. فأكلنا وشربنا، وأخذنا في لذتنا، وأقبلت الستارات من كل ناحية،
بضروب من الغناء، وصنوف من اللهو. فلم نزل على ذلك، الى آخر أوقات النهار. قال: فلما غربت
الشمس، فقال لي: يا إسحاق! خير أيام الفتى أيام الطرب. قلت هو والله يا أمير المؤمنين. قال: فاني
فكرت شيئا. فهل لك فيه؟ قلت: يا سيدي أوَ أتأخَّر عن أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه. قال: لعلنا
نباكر الصبوح في غدوة غد، وقد عزمتُ على دخلة إلى دارالحرم، فكن