للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

رقعة. فما كان إلا هنيهة، واقتنصه صاحب الكرخ، وجاء به إلى باب الأمير فأخذ، وحذف ونظف، وأُدْخِل الحمام، وأُلْبِسَ ثياباً

نظافا، وأُدْخِلَ على الأمير. فقال: السلام عَليك أيها الأمير. فقال محمد: وعليك السلام ياماني. ألم يَأْنِ

لك أن تزورنا على حين شوقٍ منَّا إليك، ومنازَعَة قُلُوبٍ نحوك. فقال ماني الشوقُ شديدٌ، والحُب ُّ

عَتيدٌ، والمزَارُ بعيد، والحِجَابُ صَعْبٌ، والبوَّابُ فَظٌّ. فلو سَهَّلَ لَنَا في الإذن، لَسَهُلَتْ علينا الزِّيَارة

فقال الأمير: أَلْطَفْتَ في الاسْتِئْذَان، فَلْتُلْطِف لَك في الاذن، لا يُمْنَعَنْ ماني أيَّ وَقْتٍ جَاءَ، أو وَرَدَ، من

ليْل أَوْنهَار. ثم أَذِن له في الجُلُوسِ، فَجَلَسَ، ودَعَا له بالطَّعَامِ، فَأَكَلَ، ثم غَسَلَ يَدَيْهِ وأخذ مجلسه وكان

محمد قد تَشَوَّقَ إلى السَّمَاع منْ تنوسة جارية ابنة المهدي. فأُحْضِرت، فكان أول ما غَنَّتْ به:

ولستُ بناسٍ إذْ غَدَوْا فتحدرت ... دُمُوعي على الخَدَّين من شدةِ الوَجْدِ

وَقَوْلي وقد زَالتْ بليلٍ حُمُولُهُمْ ... بَوَاكِرُ تَخْدي لا يَكنْ آخر العهدِ

فقال لها ماني: أحسنت وبحق الأمير ألا ما زِدْتِ فيه:

وقمْتُ أنَاجِي الفِكْرَ والدَّمْعُ جَائِرٌ ... بمُقْلَةِ مَوْقُوفٍ على الضُّرِّ والجَهْدِ

ولَمْ يُعْدِني هذا الأمير بِعِزَّةٍ ... على ظالمِ قد لَجَّ في الهَجْرِ والصَّدِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>