وكان على رأْسِ مُحمَّد غُلامٌ بيدِهِ قَدَح يَسْقيه، فرمى بالقَدَح عَنْ يده، وقال: تَصْنَعِين هَكَذَا. وَرَمَى
بِنفسه مِنَ الدَّارِ إلى دِجْلَة. فَهَتَكَت الجارية السَّتارة، ثُمَّ رَمَتْ بِنَفْسِها عَلَى أَثَرِه فنزل الغَاصَةُ خَلْفَهُمَا،
فَلَمْ يُوجَد واحدٌ منهما، وَقَطَعَ مُحَمّد الشَّراب، وقام عَنْ مَجْلِسِه.
وكان لرجل من التجار جارية كان يحبها حُبّاً شديداً، فاعتَلَّت ذات يومٍ، فأخذ في عَمَل حساءٍ. فبينما
هو يحرك ما في القدر، إذ قالت الجارية: آه!. فدهش الرجل وسقطت الملعقة من يده، وجعل يحرك
مافي القدر بيده حتى تساقطت أصَابِعه، وهو لايشعر. فلما رأت الجارية ذلك، قالت: ما هذا؟. فقال:
هذا من أجل قولك: آه.
قال: وخَرَّج أبو حامدٍ في كتابه، قال: (إنَّ بعض المحبين خلا بمحبوبه، فقال له: أنا، واللَّهِ، أُحِبُّك
بقلبي كله، وأنت تعرض عني بوجهك كلِّه، فقال له المحبوب: إنْ كنتَ تحبني، فأيُّ شيء تنفق
عليَّ؟. فقال له: ياسيدي أُمَلِّككَ ما أَمْلك، ثم أنفق عليك روحي حتى أهلك).
وحكى علي بن عاصم قال: قال لي رجل بالكوفة من بعض إخواني: هَلْ لك في عاشق تراه؟. قلت:
بلى، فَمَشيتُ معه إلى فتًى كأنما نُزعَ الروحُ من جسده، وهو مُوْتَزِرٌ بِإِزَارٍ مُرْتدٍ بِآخر، وهو قاعدٌ
متفكر، وبيده وردة. فذكرنا له بيتاً من الشعر، فتهيَّج وقال:
جَعَلتُ منْ وَرْدَتها ... غنيمةً فوق يدي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute