للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَارْحَمُوا ذُلَّ عَزِيز ... صَارَ عبداً مستجيراَ

فقلنا له: جعلنا فداك! هذه أشياء كنت تنكرها وتعيبها منّا. ونحن الآن ننكرها منك. فكان يرجع عن

بعض ذلك تصبّراً، وتحمّلا، ثم لايلبث أن يظهر مستوره، حتى تحققنا أمره، ودخل في جملة

المرحومين. فسمعته ذات يوم، وهو ينشد:

كُنْ إذا أحببتَ عبداً ... للَّذي تَهْوَى مُطيعاَ

لَنْ تنالَ الوَصْلَ حتَّى ... تلزم النفس الخضوعا

فكتبت إليه:

بَكَتْ عينه وشَكَا حُرقة ... منَ الوَجْد في القَلْبِ ماتَنْطَفي

فقلتُ له سَيِّدي ما الَّذي ... أرى بك، قال سقامٌ خَفِي

فقلتُ: أَعِشْقٌ فقال: اقْتَصِرْ ... عَلَى ما تراهُ أَمَا تَكْتَفِي

ثم سرت إليه، فقال: يا أبا الطيب! لقد عصيت ابليس أكثر مما عصى ربّه، إلى أن أوقعني في

حباله. فأخبرني بقصته. فسعيت بلطف التدبير، وأعانني حزم النظر، حتى فاز بالظفر.

وحكى محمد بن عبد الله العتبي فقال: كانت لعمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، جارية بارعة

الجمال؛ جامعة للكمال. فنظرت إليه يوما، وهو يبكي، من خشية الله عز وجل. فقامت عند ذلك،

ولبست أحسن ملبس، وتحلت بنفيس الجوهر، وتطيبت بأذكى الطيب، وأقبلت، وهي تقول:

وكَأَنَّها لَمَّا اسْبَكَرَّتْ مُزْنَةٌ ... وَسط الرَّياض ضميرها لم يرعَدِ

فلما نظر إليها عمر، قال لها: والله إنك لقرة العين؛ ولكن من

<<  <  ج: ص:  >  >>