نَقِّلْ فُؤادك حيث شئتَ من الهوى ... ما الحبُّ إلا للحبيب الأولِ
كَمْ مَنْزلٍ في الأرض يَأْلفُهُ الفتى ... وَحَنِينُه أبداً لأول مَنْزِلِ
فبينما أنا معه، وقد أخذ في ذكره؛ إذ دخل علينا حاجبه بكتاب من عند حبيبه (بنيسابور). فلما أراد
أن يتناوله، استولى عنه من السرور، ما أزال عنه خمرة الكآبة. فلما فكه، وقرأه، ناولنيه. فقرأت فيه:
لَعَمري لَئِنْ قَرَّتْ بقربك أعين ... لقد سخنت بالبعد منك عُيونُ
فما أقبحَ الدنيا إذا كنت نائيا ... وَما أحسنَ الدنيا بحيث تكون
فسر أو أقم وقف عليك مَحَبَّتِي ... محلكَ من قلبي عليك مَصونُ
فلما كان بعض أيام استدعاني، وقال: لِيَهْنِئْكَ رؤية السرور. قلت: وماذاك؟ قال: اعلم أن الحبيب
قادم عن قريب. ثم استعبر، وبكى. فقلت: الحمد لله الذي ألف بينكما بعد الفراق. فلم ألبث إلا قليلا،
حتى دخل الحاجب، فقال: قدم فلان. فقال: ائذن له، فدخل غلام، كأن وجهه البدر ليلة تَمِّه، قد ركب
على غصن بان؛ أو قضيب خيزران. يرفل في عصب (اليمن)، أَدْعَجُ العينين، مَقْرُونُ الحاجبين،
أَسِيلُ الخدين. أرقُّ من الهواء؛ وأحسن من الماء، وأضوءُ من سليل الأنواء. فدعا الأمير بكرسي من
فضة، مرصّع بالديباج الأحمر، مكلل بالدر؛ فأجلسه عليه، وقعد هو بين يديه، وقال: التَّذَلُّلُ للحبيب؛
هو الحسيب. ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم، وقال لي: ينصرف الأستاذ راشداً، ويقبل العذر.
وقال سعيد بن حميد:
اليَوْمَ أيْقنتُ أَنَّ الحبَّ مَتْلَفَةٌ ... وأنَّ صاحبه منه على خَطَرِ.