للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقلت: كذا يَزْعُمُ من يَوَدُّني. فقال: أَنْشدْني ما استحسنه منك. فأنشدته من أشعار المُتقدِّمين. فقال لي: ليس

عن هذا أسألك؛ وان كنت لم تفارق الصواب. فقلت: الأميرُ أوْلى بالهِداية والإرشاد، فليردني إلى

موضع إرادته. فالتفت إلي، باقبال وبِشْر، فقال: أُناجيكَ بما كُمَنَ في الضَّمير، وتحكم من سرّ الهوى،

لي حبيب خلّفته مقيماَ (بنيسابور) وأنا (ببغداد)، وجعل يقول:

أقام ببلدة ورحلت عنها ... كِلانَا بَعْدَ صَاحِبِه غَريبُ

أَقَلُّ النَّاسِ في الدنيا سُروراً ... محبٌّ قد نأى عَنْه الحَبِيبُ

ثم تَنَفَّسَ الصُّعداء، وقال: اعذر أيها الأستاذ، فمَا أَوْحَشَ الغَرِيبَ بِلا حَبِيب! جعلت حبه تحفة نفسي،

وأسكنته قلبي، ومحل ناظري من مقلتي. فقلت له: أيها الأمير! استبدل به بديلا؛ واتخذ غيره خليلا.

فان الهوى ما ألفته النفس؛ فلعلها عند معاينة العوض، تقع قناعة، وزهادة في الأول. فقال: هيهات

ياأستاذ! وأنشد:

وَلَمّا أبى إلا جماحاً فُؤَادُه ... وَلَمْ يَسْلُ عن لَيْلَى بمالٍ ولا أَهْلِ

تسلّى بأُخرى غيرها فإذا التي ... تسلَّى بها تُغْرِي بليلى ولا تُسْلِي

ثم قال: يا أستاذ! هيهات حبّ من ذهب بذخائر القلب والحشا، وجرى مجرى الروح في الأعضاء.

لا سبيل إلى زواله، الا بزوال النفس عن جثمانها. والله، إن مت، فما أموت إلا بغصّة فراقه، ولا

أفارق الدنيا، إلا على البعد منه. أما سمعت قول أبي تمام:

<<  <  ج: ص:  >  >>