فقال له أبو العباس: لِمَ تفتخر عليَّ؟ لو شئتُ أيضا أنا لقلت:
ومطاعمٍ للشَّهْدِ مِنْ نغَماتِهِ ... قَد بِثُّ أمنعُه لَذيذ سِنَاتِه
صَبّاً بِحُسْنِ حَديثه وكلامه ... وأكرّرُ اللّحظاتِ في وَجناته
حتى إذا ما الصُّبحُ لاحَ عَمُودُهُ ... ولّى بخاتم رَبّه وَبَراتِهِ
فقال أبو بكر: يُحْفَظ عليه ما قال، حتى يقيم شاهِدَيْ عَدْل، على أنه ولى بخاتم ربِّه. فقال له أبو
العباس: يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك:
أُنَزّه في روض المحاسن مُقْلتي
فضحك الوزير أبو الحسن، وقال: لقد جمعتما ظَرفا ولُطفا.
قال: وكان القاضي شريح بن الحارث رحمه الله من كبار التابعين والفضلاء، والمتورعين والعلماء
المتقدمين. استقضاه عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم،
ومعاوية رحمه الله. فكانت مدة ولايته القضاء ستين سنة. وكان ذا فطنة، وذكاء وعقل، وأعلم الناس
بالقضاء. وكانت زوجه زينب امرأة من بني تميم. وكان يحبها حباً شديداً. فأخذها ذات يوم في شيء
غاظه، وعتب عليها فيه، واشتد احتدامه حتى ضربها بالسوط. فلما عاين حالها ندم على ضربها،
ورقّ لها، وبكى شفقا عليها ثم قال:
رأيت رِجالاً يضربون نِسَاءهُمْ ... فَشُلَّتْ يميني يَوْمَ أضْرِبُزينبَا