تحاذر منْ عَمود الصُّبحِ نوراً ... مَخافَةَ أن يُلمَّ بنا افتضاح
وفي هذا المعنى من العفاف، يقول بعض أهل العصر من قصيدة له:
كم ليلة بتنا ونحنُ بمعزلٍ ... عنْ كل واشٍ في الهوى يلْحانِي
والليلُ قدْ أرخى السّدول وجنحه ... مذ كان مشتملٌ على الكِتْمانِ
وكواكبُ الآفاق تسري وُقْداً ... والرَّاحُ تُطلعُ أنجُما بِبَنانِي
ومُنادمي عذبُ المراشفِ أحورٌ ... بالأنْس منه وبالوصالِ حَباني
لما رأى ظمئي لخمرةِ ثغره ... مَزَج الكُؤُوسَ بريقه وسَقَانِي
وسَقيتُهُ حتى تمايَل عِطْفُه ... والقدُّ لينا مثل خوطِ البانِ
وتحيرتْ أجفانه وتمكنتْ ... سنَة الكَرى منْ طرفِه الوسْنانِ
وسَّدْتُه عَضُدي وبات مُعانِقي ... وبَرَّدْتُ حرَّ الوجدِ بالرَّشْفانِ
ورغبتُ عن فعل اللئام وعفَتي ... تَنْهَى عن الآثام والعصيانِ
ما نلتُ إلا ما أباحَ لي التقى ... لو حلت الصَّهباءُ للإنْسانِ
في أبيات غير هذه.
وفيما أثبتُّ من الحكايات والأخبار، ورقائق هذه الأشعار، ما فيه المقنع والكفاية. ولا يتسع هذا
الديوان لاستقصاء الغاية. ويجب على كل من ابتلى بالهوى أن يكتم هواه، ولا يبوح به إلي سواه،
وأن يُحذِّر نفسه عواقب ربه، ويشغل بخشيته تعالى شعاب قلبه. ومن ظفر بمن يهوى فليعف،
ويتجنب مالا يحل ويكفّ، ويعلم انّ التقى حبل الله؛ فمن تمسك به عصمه، ومن رغب عنه كبته
وقصمه. والرفيع من رفع نفسه عن الدنيات، والوضيعُ من مال مع النفس