وفي رواية:((من بعدي)) - والمراد به: من خلفي -: فيه تحذير لهم من التقصير في الصلاة وراءه، فإنهم لو كانوا بين يديه لم يقصروا في الصلاة فكذا ينبغي أن يصلوا من خلفه؛ فإنه يراهم.
وفيه تنبيه على إن من كان يحسن صلاته لعلمه بنظر مخلوق إليه فإنه ينبغي أن يحسنها لعلمه بنظر الله إليه؛ فإن المصلي يناجي ربه، وهو قريب منه ومطلع على سره وعلانيته.
وقد روي حديث أبي هريرة بلفظ أخر، فيه: الإشارة إلى هذا المعنى من رواية ابن إسحاق: حدثني سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال صلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما انصرف من صلاته رأى رجلا كان في أخر الصفوف، فقال:((أي فلان، ألا تتقي الله عز وجل في صلاتك، فلا تتم ركوعك وسجودك، ألا ينظر المصلي منكم كيف يصلي؟ وإنما يصلي لنفسه، وإنما يناجي ربه عز وجل، لا تظنون إني لا أراكم، والله إني لأرى من خلفي منكم كما أرى من بين يدي)) .
فقوله:((ألا ينظر المصلي منكم كيف يصلي، وإنما يصلي لنفسه)) ، يشير إلى أن نفع صلاته يعود إلى نفسه، كما قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}[فصلت:٤٦] ، فمن علم أنه يعمل لنفسه وانه ملاق عمله، ثم قصر في عمله وأساء كان مسيئا في حق نفسه، غير ناظر لها ولا ناصح.