فمن اشترط الترتيب أوجب قضاء ما صلاه وهو ذاكر للفائتة.
ومن لم يوجب الترتيب، لم يوجب سوى قضاء الفائتة.
ويحتمله كلام النخعي الذي حكاه عنه البخاري، ولكن روي عنه صريحاً خلافه.
فروى مغيرة، عن إبراهيم، قال: إذا ترك صلاة متعمداً عاد، وعاد كل صلاة صلاها بعدها.
فيكون الذي حكاه البخاري عنه محمولاً على حال النسيان، أو يكون عن النخعي روايتان.
وكان الإمام أحمد لشدة ورعه واحتياطه في الدين يأخذ في مثل هذه المسائل المختلف فيها بالاحتياط، وإلا فإيجاب سنين عديدة فيها صلاة واحدة فائتة في الذمة لا يكاد يقوم عليه دليل قوي.
والذي صح عن ابن عمر في ذلك، إنما هو في صلاة واحدة فائتة ذكرت مع اتساع وقت الحاضرة لهما، فلا يلزم ذلك أن يكون حكم الصلوات إذا كثرت أو تأخر قضاؤها حتى صلى صلوات كثيرة في أوقاتها كذلك.
وبهذا فرق أكثر العلماء بين أن تكثر الفوائت أو تقل.
ولم ير مالك إلا إعادة الصلاة التي وقتها باق خاصة، فإن إيجاب إعادة صلوات سنين عديدة لأجل صلاة واحدة فيه عسر عظيم، تأباه قواعد الحنيفية السمحة.
وقد أخبرني بعض أعيان علماء شيوخنا الحنبليين، أنه رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في منامه، وسأله عما يقوله الشافعي وأحمد في هذه المسائل: أيهما أرجح؟ قال: ففهمت منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنه أشار إلى رجحان ما يقوله الشافعي - رحمه الله.