للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما الإحسان: ففسره بنفوذ (١) . البصائر في الملكوت حتى يصير الخبر للبصيرة كالعيان، فهذه أعلى درجات الإيمان ومراتبه. ويتفاوت المؤمنون والمحسنون في تحقيق هذا المقام تفاوتا كثيرا بحسب تفاوتهم في قوة الإيمان والإحسان، وقد أشار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك هاهنا بقوله: " أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". قيل: المراد: أن نهاية مقام الإحسان: أن يعبد المؤمن ربه كأنه يراه بقلبه فيكون مستحضرا ببصيرته وفكرته لهذا المقام فإن عجز عنه وشق عليه انتقل إلى مقام آخر وهو أن يعبد الله على أن الله يراه ويطلع على سره وعلانيته ولا يخفى عليه شيء من أمره.

وقد وصى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طائفة من أصحابه أن يعبدوا الله كأنهم يرونه، منهم: ابن عمر، وأبو ذر، ووصى معاذا أن يستحيي من الله كما يستحيي من رجل ذي هيبة من أهله (٢) . قال بعض السلف: من عمل لله على المشاهدة فهو عارف، ومن عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلص. فهذان مقامان: أحدهما: مقام المراقبة، وهو أن يستحضر العبد قرب الله منه واطلاعه عليه فيتخايل أنه لا يزال بين يدي الله فيراقبه في حركاته وسكناته وسره وعلانيته، فهذا مقام المراقبين المخلصين، وهو أدنى مقام الإحسان.


(١) في " ف " بالدال المهملة والصواب ما أثبتناه..
(٢) وانظر (ص ١٠٣) تحت الحديث (٢٤) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>