وقد خرج مسلم حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس هذا، ولفظه: أقيمت الصلاة والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يناجي رجلاً، فلم يزل يناجيه حتى نام أصحابه، ثم جاء فصلى بهم.
وظاهر هذه الرواية يدل على انه صلى بالإقامة السابقة، واكتفى بها.
فإن زعم زاعم ان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذلك ليبين للناس جواز الصلاة بدون اقامة.
قيل: ليس في هذا بيان لذلك؛ فإنه إنما يتبادر إلى الأفهام انه اكتفى بالإقامة المتقدمة، فلو كان حكمها قد بطل لأمر بإقامة ثانية، أو بين بقوله ان تلك الاقامة لم تبق معتبرة، وإنما يصلي بغير إقامة بالكلية لئلا يظن انه صلى بتلك الإقامة الماضية، فإن هذا هو المتبادر إلى الأفهام. والله اعلم.
وقد روي عن طائفة من السلف ما يدل على أن الإقامة وإن تقدمت على الصلاة بزمن طويل فإنها كافية.
فروي عن الحسن، والشعبي، والنخعي، ومجاهد، وعكرمة، وعروة، ومحمد بن علي بن حسين، وغيرهم: أن من دخل مسجداً قد صلي فيه فإنه لا يؤذن، ولا يقيم.
وحكي مثله عن أبي حنيفة وأصحابه، وإسحاق، وحكاه ابن المنذر قولاً للشافعي.