وهل المراد بمصلاه نفس الموضع الَّذِي صلى فِيهِ أو المسجد الَّذِي صلى فِيهِ كله مصلى لَهُ؟ هَذَا فِيهِ تردد.
وفي ((صحيح مُسْلِم)) عَن جابر بر سمرة، أن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذا صلى الفجر جلس فِي مصلاه حَتَّى تطلع الشمس حسناء.
وفي رِوَايَة لَهُ: كَانَ النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يقوم من مصلاه الَّذِي يصلي فِيهِ الصبح أو الغداة حَتَّى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام.
ومعلوم؛ أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يكن جلوسه فِي الموضع الَّذِي صلى فِيهِ؛ لأنه كَانَ ينفتل إلى أصحابه عقب الصلاة ويقبل عليهم بوجهه.
وخرجه الطبراني، وعنده: كَانَ إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حَتَّى تطلع الشمس.
ولفظة: ((الذكر)) غريبة.
وفي تمام حَدِيْث جابر بْن سمرة الَّذِي خرجه مُسْلِم وكانوا يتحدثون فيأخذون فِي أمر الجَاهِلِيَّة، فيضحكون ويتبسم.
وهذا يدل عَلَى أَنَّهُ لَمْ ينكر عَلَى من تحدث وضحك فِي ذَلِكَ الوقت، فهذا الحَدِيْث يدل عَلَى أن المراد بمصلاه الَّذِي يجلس فِيهِ المسجد كله.
وإلى هَذَا ذهب طائفة من العلماء، منهم: ابن بطة من أصحابنا وغيره.
وقد روي عَن أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يخالف هَذَا.
رَوَى مَالِك فِي ((الموطإ)) عَن نعيم المجمر، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُول: إذا صلى أحدكم ثُمَّ جلس فِي مصلاه لَمْ تزل الملائكة تصلى عَلِيهِ، تَقُول: اللهم اغفر لَهُ، اللهم ارحمه، فإن قام من مصلاه فجلس فِي المسجد ينتظر الصلاة لَمْ تزل الملائكة تصلي عَلِيهِ فِي مصلاه حَتَّى يصلي.
فهذا يدل عَلَى أَنَّهُ إذا تحول من موضع صلاته من المسجد إلى غيره من المسجد انقطع حكم جلوسه فِي مصلاه، فإن جلس ينتظر الصلاة كَانَ حكمه حكم من ينتظرها، وصلت عَلِيهِ الملائكة - أيضاً -، فإن لَمْ يجلس منتظراً للصلاة فلا شيء لَهُ؛ لأنه لَمْ يجلس فِي مصلاه ولا هُوَ منتظر للصلاة.
قَالَ ابن عَبْد البر: إلا أنه لا يقال: إنه تصلي عَلِيهِ الملائكة.
يعني: عَلَى المتحول من مكانه وَهُوَ ينتظر الصلاة كما تصلي عَلَى الَّذِي فِي مصلاه ينتظر الصلاة.
يشير إلى أن الحَدِيْث المرفوع إنما فِيهِ صلاة الملائكة عَلَى من يجلس فِي مصلاه لا عَلَى المنتظر للصلاة.
ولكن قَدْ روي فِي حَدِيْث مرفوع، فروى عَطَاء بْن السائب، عَن أَبِي عَبْد الرحمان السلمي، عَن عَلِيّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُول: ((من صلى الفجر ثُمَّ جلس فِي