النسب والشرف والرفعة فِي الدنيا، فإذا اجتمع ذَلِكَ مَعَ الجمال فَقَدْ كمل الأمر وقويت الرغبة، فإن كَانَتْ مَعَ ذَلِكَ هِيَ الطالبة الداعية إلي نفسها، كَانَ أعظم وأعظم، فإن الامتناع بعد ذَلِكَ كله دليل عَلَى تقديم خوف الله عَلَى هوى النفس، وصاحبه داخل فِي قوله تعالى:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات: ٤٠] ، وهذا كما جرى ليوسف عَلِيهِ السلام.
قَالَ عُبَيْدِ بْن عمير: من صدق الإيمان وبره إسباغ الوضوء فِي المكاره، ومن صدق الإيمان وبره أن يخلو الرَّجُلُ بالمرأة الجميلة فيدعها، لا يدعها إلا لله عز وجل.
ومثل هَذَا؛ إذا قَالَ:((إني أخاف الله)) فهو صادق فِي قوله؛ لأن علمه مصدق لقوله، وقوله لها:((إني أخاف الله)) موعظة لها، فربما تنْزجر عَن طلبها، وترجع عَن غيها.
وقد وقع ذَلِكَ لغير واحدٍ، وفيه حكايات مذكروة فِي كِتَاب ((ذم الهوى)) وغيره.
السادس: رَجُل تصدق بصدقة فاجتهد فِي إخفائها غاية الاجتهاد حَتَّى لَمْ يعلم بِهِ إلا الله.
وضرب المثال لذلك عَلَى طريق المبالغة:((حَتَّى لا تعلم شماله مَا تنفق يمينه)) .
وهذا دليل عَلَى قوة الإيمان والاكتفاء باطلاع الله عَلَى العبد وعلمه بِهِ، وفيه مخالفة للهوى ومجاهدة للنفس؛ فإنها تحب إظهار الصدقة، والتمدح بِهَا عِنْدَ الخلق، فيحتاج فِي إخفاء الصدقة إلى قوة شديدةٍ تخالف هوى النفس.