وقال في رواية أبي الحارث في الصلاة: إن كانَ غالبا عليهِ أكرهه.
ومعنى قوله:((غالبا)) – أي: كانَ مختارا لهُ، قادر على رده، بحيث لم يغلبه الأنين، ولم يقهره. وظاهر كلامه أنه لا يبطل صلاته.
وقال القاضي أبو يعلى: إنما أراد إذا كانَ أنينه ((عاليا)) من العلو أو رفع الصوت؛ لما يخشى من الرياء به، أو إظهار الضجر بالمرض ونحوه.
وهذا الذي فسره تصحيف منه. والله أعلم.
والثالث: إنه كلام بكل حال، حكي عن الشعبي والنخعي ومغيرة والثوري.
وإنما المنقول عنهم في الأنين، ونقل عن الشعبي في التأوه.
وهذا محمول على لم يكن من خشية الله، فقد كانَ الثوري إذا قرأ في صلاته لم تفهم قراءته من شدة بكائه.
وهو مذهب الشافعي، وعنده: إن أبان به حرفان أبطل الصلاة، وإلا كره ولم تبطل.
وكذا قالَ أصحابنا في البكاء لحزنه ونحوه: إذا لم يغلب عليهِ، فأن غلب عليهِ صاحبه ففي البطلان به وجهان.
ولا يعرف الإمام أحمد اعتبار حرفين في ذَلِكَ -: قاله القاضي أبو يعلى ومن اتبعه.
وما تقدم عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنه - يدل على أن البكاء في الصلاة من خشية الله حسن جميل، ويقبح أن يقال: لا يبطلها؛ فإن ما كانَ زينة الصلاة وزهرتها وجمالها كيف يقنع بأن يقال فيهِ: غير مبطل؟ ولم يزل السلف الصالح