وأما أمره في حديث أنس بإقامة الصفوف، فالمراد به: تقويمها.
وقوله:((فإني أراكم من وراء ظهري)) إعلام لهم بأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يخفى عليهِ حالهم في الصلاة؛ فإنه يرى من وراء ظهره كما يرى من بين يديه، ففي هذا حث لهم على إقامة الصفوف إذا صلوا خلفه.
وقد سبق القول في رؤيته وراء ظهره، وأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن كانَ الله قد توفاه ونقله من هنه الدار، فإن المصلي يناجي ربه وهو قائم بين يدي من لا يخفى عليهِ سره وعلانيته، فليحسن وقوفه وصلاته؛ فإنه بمرء من الله ومسمع.
وقد روي أن تسوية الصفوف وإقامتها توجب تآلف القلوب:
فروى الطبراني من طريق سريج بن يونس، عن أبي خالد الأحمر، عن مجالد، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي، قالَ: قالَ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((استووا تستوي قلوبكم ولا تختلفوا، وتماسوا تراحموا)) .
قالَ: سريج: ((تماسوا)) – يعني: ازدحموا في الصلاة.
وقال غيره:((تماسوا)) : تواصلوا.
وأعلم؛ أن الصفوف في الصلاة مما خص الله به هذه الأمة وشرفها به؛ فإنهم أشبهوا بذلك صفوف الملائكة في السماء، كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا:
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}[الصافات:١٦٥] ، وأقسم بالصافات صفا، وهم الملائكة.