كان مناجيا له، ويرد عليه جواب ما يناجيه به كلمة كلمة، فأول الفاتحة حمد، ثم ثناء، وهو تثنية الحمد وتكريره، ثم تمجيد، والثناء على الله بأوصاف المجد والكبرياء والعظمة، ثم ينتقل العبد من الحمد والثناء والتمجيد إلى خطاب الحضور، كأنه صلح حينئذ للتقريب من الحضرة فخاطب خطاب الحاضرين، فقال {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
وهذه الكلمة قد قيل: أنها تجمع سر الكتب المنزلة من السماء كلها؛ لأن الخلق إنما خلقوا ليؤمروا بالعبادة، كما قالَ:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ}
[الذاريات: ٥٦] ، وأنما أرسلت الرسل وأنزلت الكتب لذلك، فالعبادة حق الله على عباده، ولا قدرة للعباد عليها بدون إعانة الله لهم، فلذلك كانت هذه الكلمة بين الله وبين عبده؛ لأن العبادة حق الله على عبده، والإعانة من الله فضل من الله على عبده.
وبعد ذلك الدعاء بهداية الصراط المستقيم؛ صراط المنعم عليهم، وهم الأنبياء وأتباعهم من الصديقين والشهداء والصالحين، كما ذكر ذلك في سورة النساء.
فمن استقام على هذا الصراط حصل له سعادة الدنيا والآخرة، واستقام سيره على الصراط يوم القيامة، ومن خرج عنه فهو إما مغضوب عليه، وهو من يعرف طريق الهدى ولا يتبعه كاليهود، أو ضال عن طريق الهدى كالنصارى ونحوهم من المشركين.
فإذا ختم القارئ في الصلاة قراءة الفاتحة، أجاب الله دعاءه فقال:((هذا لعبدي ولعبدي ماسأل)) . وحينئذ تؤمن الملائكة على دعاء المصلى، فيشرع للمصلين موافقتهم في التأمين معهم، فالتأمين مما يستجاب به الدعاء.