الهجرة، لا في دار الحرب، وكانت مكة إذ ذاك دار حربٍ، ولم يكن المسلمون يتمكنون فيها من إظهار دينهم، وكانوا خائفين على أنفسهم، ولذلك هاجروا منها إلى المدينة، والجمعة تسقط بأعذارٍ كثيرةٍ منها الخوف على النفس والمال.
وقد أشار بعض المتأخرين من الشافعية إلى معنى آخر في الامتناع من إقامتها بمكة، وهو: أن الجمعة إنما يقصد بإقامتها اظهار شعار الإسلام، وهذا إنما يتمكن منه في دار الإسلام.
ولهذا لا تقام الجمعة في السجن، وإن كان فيه أربعون، ولا يعلم في ذلك خلافٌ بين العلماء، وممن قاله: الحسن، وابن سيرين، والنخعي، والثوري، ومالك، وأحمد، وإسحاق وغيرهم.
وعلى قياس هذا: لو كان الأسارى في بلد المشركين مجتمعين في مكانٍ واحدٍ؛ فإنهم لا يصلون فيه جمعةً، كالمسجونين في دار الإسلام وأولى؛ لا سيما وأبو حنيفة وأصحابه يرون أن الإقامة في دار الحرب – وإن طالت – حكمها حكم السفر، فتقصر فيها الصلاة أبداً، ولو اقام المسلم باختياره، فكيف إذا كان أسيراً مقهوراً؟
وهذا على قول من يرى إشتراط إذن الإمام لإقامة الجمعة، أظهر، فأما على قول من لا يشترط إذن الإمام، فقد قال الإمام أحمد في الأمراء إذا أخروا الصلاة يوم الجمعة: فيصليها لوقتها ويصليها مع الإمام، فحمله القاضي أبو يعلى في ((خلافه)) على أنهم يصلونها جمعة لوقتها.
وهذا بعيدٌ جداً، وإنما مراده: أنهم يصلون الظهر لوقتها، ثم