قلت: ما بي من جنون، قالَ: أوما كنا في صلاة؟ قلت: أصلحك الله، هل من كلام أفضل من كتاب الله؟ قال: لا، قلت: لو أن رجلاً نشر مصحفه فقرأه غدوة حتى يمسي، ولا يصلي فيما بين ذلك، كان ذلك قاضياً عنه صلاته؟ قال الحكم: إني لأحسبك مجنوناً: قال: وأنس بن مالكٍ جالس قريباً من المنبر، على وجههٌ خرقة
خضراء، فقلت: يا أبا حمزة، أذكرك الله، فانك صحبت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخدمته، أحقٌ أقول أم باطلٌ؟ قال: فو الله ما أجابني بكلمةٍ، فقال له الحكم: يا أنس، قال: لبيك، أصلحك الله – قال: وقد كان فات ميقات الصلاة – قال: يقول له أنس: قد كان بقي من الشمس بقيةٌ؟ فقال: احبساه. قال: فحبست، فشهدوا أني مجنونٌ.
قال جعفر: فإنما نجا من القتل بذلك – وذكر بقية القصة.
فقد تبين بهذا السياق أن الصحابة والتابعين كانوا كلهم خائفين من ولاة السوء الظالمين، وإنهم غير قادرين على الإنكار عليهم، وأنه غير نافع بالكلية؛ فإنهم يقتلون من أنكر، ولا يرجعون عن تأخير الصلاة على عوائدهم الفاسدة.
وقد تكلم بعض علماء أهل الشام في زمن الوليد بن عبد الملك في ذلك، وقال: أبعث نبيٌ بعد محمدٍ يعلمكم هذا – أو نحو ذلك؟ فأخذ فأدخل الخضراء، فكان آخر العهد به.
ولهذا لم يستطع أنس أن يجيب يزيد الضبي بشئ حين تكلم يزيد، وإنما قال للحكم لما سأله: قد بقي من الشمس بقيةٌ – يريد: قد بقي من ميقات العصر بقيةٌ -، وهو كما قال لكن وقت الجمعة كان قد فات، ولم