وإذا تقرر هذا الأصل، فمن قال: أن الجمعة تنعقد بإثني عشر رجلاً أو بدونهم، فلا إشكال عنده في معنى حديث جابر؛ فإنه يحمله على أن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى الجمعة بمن بقي معه، وصحت جمعتهم.
ومن قال: لا تصح الجمعة بدون أربعين، فإنه يشكل عليه حديث جابرٍ.
وقد أجاب بعضهم: بأن الصحيح أنهم انفضوا وهو في الخطبة. قال: فيحتمل أنهم رجعوا قبل الصلاة، أو رجع من تم به الأربعون، فجمع بهم.
قال: والظاهر أنهم انفضوا ابتداءً سوى إثني عشر رجلاً، ثم رجع منهم تمام أربعين، فجمع بهم، وبذلك يجمع بين روايةٍ علي بن عاصم وسائر الروايات.
وهذا الذي قاله بعيدٌ، ورواية علي بن عاصم غلطٌ محضٌ، لا يلتفت إليها.
وسلك طائفةٌ مسلكاً آخر، وظاهر كلام البخاري هاهنا وتبويبه يدل عليه، وهو: أن انفضاضهم عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في نفس الصلاة، وكان قد افتتح بهم الجمعة بالعدد المعتبر، ثم تفرقوا في أثناء الصلاة، فأتم بهم صلاة الجمعة؛ فإن الاستدامة يغتفر فيها ما لا يغتفر في الابتداء.
وهذا قولُ جماعة من العلماء، منهم: أبو حنيفة وأصحابه والثوري ومالك والشافعي – في القديم – وإسحاق، وهو وجه لأصحابنا.
وعلى هذا؛ فمنهم من اعتبر أن يبقى معه واحد فأكثر؛ لأن أصل