وإنما خص بها أبا جهم بن حذيفة؛ لأنه كان أهداها إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فردها إليه، وطلب منه عوضا عنها كساء له غليظا؛ تطييبا لقلبه، حتى لا يحصل له انكسار برد هديته عليه، ولذلك أعلمه بسبب الرد.
وفيه تحذير له من أن يشتغل بها أو بغيرها عن صلاته. هذا هو الذي ذكره ابن عبد البر.
ويدل على ذلك: ما خرجه مالك في ((الموطإ)) عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، عن عائشة، قالت: أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خميصة شامية لها علم، فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف قال:((ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم؛ فإني نظرت إلى علمها في الصلاة، فكاد يفتنني)) .
وخرجه الإمام أحمد من طريق مالك.
ولفظ:((الفتنة)) إنما يعرف في هذا الحديث من هذا الوجه، فأما من رواية هشام، عن أبيه، عن عائشة، - كما علقه البخاري - فغير معروف.
وقد روي عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة هذا الحديث، وفيه: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:((فإني كنت إذا رأيت علمها ذكرت الدنيا)) .
وروي نعيم بن حماد، عن ابن عيينة: أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكره الخميصة في
نفسها، وإنما أخرجها عن ملكة لما كانت سبب شغله عن صلاته؛ كما اخرج أبو طالحة ماله الذي ألهاه عن صلاته.