ماسينيون. وكان صديقي يشكو من تقييد في اختيار موضوعها (١). وقد تحول اشمئزازه إلى هوس وإحساس بالاضطهاد والمضايقة. إلا أن حالته كانت في الواقع أكثر تعقيدا إذ يجب أن تضاف مأساة غامضة عند هذا الفتى الذي بقي طاهرا عفيفا حتى سن الثلاثين لخجله أمام الفتيات. غير أن هذا الخجل أصبح يستبد به مع كل ما يحرك الحواس والعواطف، إلى درجة أنه أصبح يتخذ مواقف تثير السخرية بطريقة لا يمكن تصورها. أذكر مرة أننا كنا ذات مساء من هذه السنة جالسين في مقهى بالحي اللاتيني، حيث كنت مع محمد بن ساعي وبن عبد الله , كنت أحدثهم عن موضوع من المواضيع ذات الصلة بالعالم الإسلامي، لأننا لم نكن نتحدث إلا عن هذه المسألة. أحسست فجأة بأن بن ساعي غاب تماما عن الحديث. ولاحظت بأنه كان يطوي ورقة صغيرة كان يرسم فيها للتو. اعتقدت بداية أنه كان يدون ملاحظات حول موضوع حديثنا، على عادته. غير أني أدركت أنه كان يريد أن يتوجه بكلمة لفتاة كانت جالسة مع زميلتها في طاولة مجاورة. وبمجرد ما أدركت أني كنت أتعب نفسي سدى، وثبت بغضب وانتزعت منه الورقة وسلمتها للمعنية بها وخاطبتها: - آنستي، لم أطلع على فحوى الورقة، صدقيني، إلا أن قلبي رق لهذا الفتى، أرجو أن تباديله نفس الإحساس.
(١) حسب بعض الذين تقوبوا منه بباتنة -وما أقلهم- فقد اختار محمد حمودة بن ساعي فلسفة الإمام الغزالي موضوعا لأطروحته لنيل دكتورة الدولة من جامعة السوربون قبل أن (يهتم) به ماسينيون. (المترجم)