للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

أثناء بقية الأسبوع، كانت الزيارة الوحيدة لنا هي تلك التي يقوم بها محمد بن ساعي مساء كل الجمعة. وكنا نسهر متأخرين مستعرضين المشكلات التي تواجه العالم الإسلامي. وهذه السهرات هي بداية تذوقي واهتمامي بمختلف هذه المشكلات. وكنا ندقق بعمق المسائل التي نتناولها، أنا وبن ساعي. وكان الفقر الخلقي والفكري للعالم الإسلامي يبدو لنا مرعبا أمام عالم غربي له روح أوروبية وتقنية ديكارتية.

ويتعاظم الفراغ الرهيب الذي نحس به بمجرد ما نغوص في المشكلات. وكنا ندرك أننا المسلمون الوحيدون الذين كنا نتناقش في مثل هذه القضايا. فحتى (العلماء) -أي المسلمين الأقرب منا-كانوا بعيدين عن النظر إلى الأشياء بعمق. فكان جوهر المأساة الدنيوية غائبا عنهم تماما. فقد كانوا هم أنفسهم صيغا بنجلونية بصبغة إصلاحية خفيفة. كانت الآية الكريمة {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} تتداول في الأوساط الإصلاحية، غير أن الحركة الإصلاحية تعطي انطباعا بأنها تسعى لتجسيد هذا التغيير الأساسي بوسائل البلاغة العربية فقط. فقد كان الأمر يبدو لنا وكأنه إصلاح النحويين. فالمشكل الإنساني بقي كاملا دون تغيير وحتى في معطياته الآنية والبديهية كالجهل والمجاعة.

ويحصل أحيانا، إثر مناقشاتنا مساء الجمعة، أن نتخذ، أنا وصديقي، قرارا عمليا. ففي إحدى المرات وبعد أن أدركنا فراغ (المطالب الحازمة) لبن جلول في ميدان التدريس علما بأن هذه