(المطالب) لا تحل المشكل الخطير للأمية وإنما تعمل على إدامته واستفحاله، قررنا أن نعرض المسألة ليس على الساحة الإدارية وإنما على الضمير الجزائري. وهكذا قمت بتحرير مقال عرضت فيه كيف يجب أن تحل المشكلة بإمكانياتنا الذاتية وأشرح من خلاله كيف أن (المطالب) تصب في خانة مصالح الإدارة الاستعمارية التي كانت على يقين بأن المسلمين لا يقومون بشيء أبدا من تلقاء أنفسهم. وقد بينت (وسائل) حل المشكلة بتوزيع عدد الأميين على عدد المثقفين حتى الذين كانوا في طور الابتدائي، وكنت مدركا تماما أني حولت خطة المشكلة جذريا وبطريقة خطرة جدا.
وكانت الطريقة فعالة، وبالتالي خطرة في نظر الإدارة التي سترى نفسها مرغمة إما على العمل جديا لحل المشكلة أو أن ترى ظهور مبادرات خاصة تشكل دولة داخل دولة. غير أني لم أتحدث في مقالي بالطبع إلا عن (المبادرات) دون أن أتحدث عن آثارها. وكان من الضروري أن أخذ في الحسبان (عقلية الأهالي) (l'esprit indigène) العاجز عن إدراك المرامي الخفية إلى درجة أن مقالي لم ينشر في صحيفة (La Défense) (الدفاع) التي تلقت المقال. وأنا أدرك الآن ماذا أوحى هذا المقال للإدارة الاستعمارية بخصوصي. وأفهم على الوجه الأخص كيف يتلقى ماسينيون، المستشار التقني لهذه الإدارة، هذا المقال الخطير، صاحبه جزائري لم تكن تحركه (العقلية الأهلية)، بل كان يسعى لإحداث نظام يمكن أن يفرض موقفا جديدا على الإدارة الاستعمارية الميكيافلية.