قبل أن أشرع في تحريره، رأيت الدموع في عيني بن ساعي. وكنت أقاسمه رقة الشعور والتأثير الذي سعيت تضمين رسالتي بهما. وكان النداء، بالفعل، مؤثرا يحرك الشفقة. وقد احتفظ بن ساعي على ما اعتقد بالنسخة , وقد حمل إمضاء بسيطا هو (رفقاء الإسلام).
وقد شكلنا، أنا وصديقي، صندوقا صغيرا جمعنا فيه عشرين فرنكا لتغطية نفقات إرسال بعض النسخ إلى جميع جهات الجزائر.
تتوالى الأيام وتتلاحق ونحن ننتظر بقلق صدى ندائنا في الصحيفة الناطقة باسم فديرالية المنتخبين في قسنطينة. ربما لم يجد بن جلول وفرحات عباس - هذا الأخير بدأ يخطو خطوته الأولى في ساحة (البوليتيك)(١) - أية مصلحة في نص ليست له صلة بالمطالب أو الانتخابات. غير أني مدرك الآن أن الإدارة سجلته بكل عناية وبتوقيع (رفقاء الإسلام) الذي لا شك أنه أثار قلق ماسينيون.
وهكذا فإن لم تشتهر (جمعيتنا) ويرفع ذكرها فتعرف مباشرة في الحياة العامة الجزائرية، فلا بد أنها أثارت انتباه الإدارة حول هذا الجانب الجديد ل (العقلية الأهلية)، وجانبها الأخطر الذي انتبهنا له مبكرا، أنا وصديقي بن ساعي وقتذاك. وأنا أدرك جيدا الآن مرامي الإشهار الذي قام به الوسط الاشتراكي بباريس في سنة ١٩٣٦ لصالح (النشاط الوطني) لمصالي.
(١) البوليتيك (boulitique) : كلمة بالعامية الجزائرية استخلصت من تحريف كلمة Politique ويقصد بها بن نبي السياسية العقيمة التي تغيب فيها الفعالية وتبنى على الكذب والخداع والدجل، يحترفها المرتزقة والمشبوهون والجهلة، ويفرق بن نبي بينها وبين السياسة التي يعتبرها علما ترسم أهدافا وتجند وسائل ولا تخطئ إلا في حدود خطأ العلم. والعبارة من مفردات قاموس الفكر البنابي. (المترجم).