هناك أمر محير آخر وهو أن بن نبي سلم هذا الجزء الأول من مذكراته للشيخين عبد الرحمان شيبان وإبراهيم مزهودي، بإلحاح منهما، بعد أن فكر في إتلاف المخطوط في أوت ١٩٥١.
هل كان السبب هو اشتداد القمع البوليسي؟ كما قال بن نبي نفسه. أم أن هناك مسوغات أخرى لم يشأ أن يفصح عنها؟
لن تجد هذه الأسئلة إجاباتها إلا في بحث معمق ودقيق في سيرة بن نبي، بحث لا يستند على ما كتبه بن نبي عن نفسه فقط وإنما بالاستعانة أيضا وبخاصة بالوثائق من مصادر شتى.
والمأمول هو أن تتشرف الجامعة الجزائرية وتتكفل بمثل هذا المشروع.
وسنحصل حينها على إجابات بخصوص تساؤلات كثيرة كاللغة التي حرر بها في الأصل كتابه (الصراع الفكري في البلدان المستعمرة)، على سبيل المثال, فهل سيسمح (الاكتشاف) الأخير من قبل عائلة بن نبي لمخطوط بالفرنسية ل (الصراع الفكري في البلدان المستعمرة)، كما يزعم البعض من دون ترو، بإعادة النظر في تأكيد بن نبي نفسه من خلال التنبيه الذي صدر به مؤلفه هذا بالقاهرة، بتاريخ ٢ ماي ١٩٦٠، حين أخبر القارئ بأنها (المرة الأولى التي يحرر فيها كتابا باللغة العربية مباشرة).
ومن المفيد، من جهة أخرى، أن نشير أن هذا الجزء الأول من (العفن) يوافق الجزء الثاني من (مذكرات شاهد القرن) الذي يغطي المرحلة الممتدة من ١٩٣٠ إلى ١٩٣٩ من حياته.