الذي أسعد بتقديمه لقراء العربية، عن نموذج نادر من الوطنية الجزائرية الأصيلة، في بعض أهم جوانبها الفكرية، الخفية، من أجل استبانة طريق الحرية، وتحصين الأجيال الفتية ضد الأمراض المعدية والجراثيم المميتة لأصحاب القابلية المقيتة، المتأصلة في نفوس بعض فاقدي الهمم، وعديمي الذمم، الجاهلين لأحابيل المحتلين، ومخططاتهم الخطيرة التي جعلت الكاتب الكبير يتحرق على وضع الوطن وأهله، بين النظرة الخبيرة، واليد القصيرة ... ولم يجد أمامه سوى هذه الموهبة التعبيرية والوسيلة التحليلية والتحريرية التي قلما امتلكها غيره وقلما أجاد أحد استعمالها مثله ... فكان هذا العمل الذي يعتبر الأول من حيث الفترة الزمنية التي يتحدث عنها الكاتب، وهي مرحلة الطالب ... ولكنه من حيث النشر، يكون آخر كتاب يصدر له باللغتين (العربية والفرنسية) وقد تأخر نشره لأكثر من نصف قرن من تاريخ الوطن والأمة (انظر تفاصيل ذلك في تصدير الأستاذ عبد الرحمن بن عمارة)، وهي خسارة كبيرة، بما يتضمنه من فوائد وحقائق كثيرة لكل من لم يطمس على قلبه وعقله وبصيرته ... وهي حالة تسمم متوارثة بين الأفراد المصابين بها، لأن الأفكار المسمومة والقاتلة لا تموت مع الأجساد، بل تظل حية قاتلة ولا تقهرها إلا أفكار مثلها، في حلبة الصراع الفكري الذي له الكلمة الأخيرة في النهاية، وقد عرفنا بدايته، ولكننا لا نعرف نهايته على الساحة الوطنية