وصلت إذن بنشوة طالب اجتهد وعمل جيدا وابن وزوج تنتظره العائلة. ولم يكن ثمة ما يفسد هذه النشوة. وفي محطة تبسة، وجدت عددا كبيرا من الأصدقاء في انتظاري.
سماء تبسة تعجبني دائما. وكان لجمالها غير الحسي- لأن السحب نادرة في فصل الصيف- يتناغم مع طبعي السعيد. عندما تجاوزنا أسرار المحطة، انتبهت أن والدي غاب عن استقبالي. فأبديت ملاحظة في هذا الشأن وأنا ابتسم للصديق العزيز، الشيخ صادق، رحمه الله، وقد كان يشد على معصمي الأيمن برقة وحنان. فزاد في الضغط على معصمي. واخترق نور حزين فكري وتوجهت للشيخ صادق صارخا بعد أن توقفت: ماذا أصاب والدي؟ طأطأ رأسه وضغط أكثر على معصمي:
- لا إن والدك في صحة جيدة ... غير أن العجوز ...
فصحت: ماذا؟
- رحمها الله، أجابني الصديق بتهتهة.
أحسست وكأن الأرض انشقت من تحت قدمي وسقطت فى هاوية، لم أدر ما نوع الهاوية التي تنبثق منها الآلام الكبرى التي تحيط فجأة بالضمير وتقضي عليه.
فكان النواح وخارت قواي وانطلقت في الدموع كالطفل. أحاط بي الأصدقاء ليربطوا على قلبي بصداقتهم. بيد أني اعتقدت أن لا شيء يستطيع أن يخفف عني اللوعة من يومها.
ثم انطلقت أجري حتى وصلت المنزل ولم أكن أدري لفرط الصدمة أني لن أجد والدتي أبدا.