للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

ثم انتقلت الحمى التي أصابت منطقة قسنطينة لتعم باقي الولايات. إنه أول عمل سياسي بهذا الحجم يسجل في الجزائر. غير أن القادة كانوا من طينة الرجال الذين يستغلون لصالحهم مثل هذه الظروف النادرة التي تبين كيف يكون الشعب الجزائري حاضرا عندما يدغدغ شعوره وشرفه. ولكن هل كان ثمة شعور في قلب ابن جلول أو في قلوب نائبيه المدعو الدكتور بومالي أو المدعو بن جامع، هذا الأخير لا أحد يعرف كيف رقي إلى رتبة أمين اتحادية المنتخبين؟ بل أنا أعرف الآن الكثير عن ذلك. كان الشك يخامر ذهني وسيبدي لي المستقبل أني على صواب. غير أن الكثيرين كانوا يلومونني في تبسة عندما أعبر عن شكوكي في قدرات وإمكانات بن جلول، وأخصهم الشيخ العربي التبسي. وكنت ألاحظ أن هذا الأخير ليس لديه إحساس، كما هو شأني، بأن حركة بن جلول ليست سوى مجرد تلهية تصد عن حركة الإصلاح. وقد تبينت جيدا وأقولها صراحة أن إنشاء فدرالية المنتخبين إنما هو بمثابة دفن للسلفية، فالأولى كانت تجذب الضمير الشعبي نحو (الفرنسة) والثانية نحو الأسلمة. ولم يدرك الشيخ العربي أيا من هذه المعاني ولم يكن لديه حدس بهذه الأحداث ولم يفهم تحليلي وإثباتاتي. على أن نيته كانت حسنة رغم ذلك (١). وهكذا بدأت العوارض الأولى للبغضاء تتجلى بيننا وزادها استفحالا سوء نية الشيخ والعجب وغياب النزاهة لديه.


(١) رغم المآخذ الكثيرة والقاسية أحيانا لابن نبي على الشيخ العربي التبسي رحمه الله، إلا أنه كان دوما يفصل بين أمرين: تصرفات الشيخ العربي التي تنم عن غياب وعي تام بالأحداث وألاعيب الاستعمار من جهة، وفضائل الشخص الذاتية، من جهة أخرى. أنظر مثلا (الصراع الفكري في البلدان المستعمرة). وفيه يتحدث بن نبي عن الجانب الأخلاقي للشيخ التبسي ويندد بجريمة اغتياله النكرة ولكنه يكرر مآخذه عليه بأنه (لا يفقه شيئا في الصراع الفكري). (المترجم)