بما أنني كنت سأغادر الوطن عبر سكيكدة فقد ارتأيت أنه من الواجب أن أتوقف بقسنطينة لرؤية البطل الذي تتحدث عنه الجزائر قاطبة، طولا وعرضا، والذي كان الناس يسمون أبناءهم باسمه تيمنا وكذا أنواع من القماش. ثم بدأت (طريقة بن جلون) تطبع لباس الحرير للمتزوجين الجدد، وفسق داعرات بسكرة اللواتي كن يتغنين بنبي الله الجديد. عندما وطأت قدماي عيادة الدكتور بن جلول، كنت لا أزال أشعر بالإحساس الذي يواجه الإنسان وهو يقابل شخصية كبيرة ذات وزن وقيمة، أو حتى الشعور الذي ينتابه عند لقاء (قاطع طريق كبير). وكانت الخيبة التامة. فقد بدا لي الرجل عاديا في تفكيره وحركاته. ففي هذه العيادة التي ستصبح لعشرية كاملة القلب النابض للبلاد، رأيت المثقف (الأهلي) (indigène) الأكثر فظاظة في حياتي. الخطة الانتخابية كانت أسمى أفكار هذا الرجل السياسي الكبير. رأيته محاطا بمساعديه فرحات عباس وآخرين، والكل منحن ومنكب على حساب عدد الأصوات التي يمكن أن تمنحها هذه البلدة أو تلك. عجبت لرجل ولد ليملأ الكلمات المتقاطعة في صحيفة وضيعة وملء الفراغات في ألعاب الجرائد، كيف أصبح قائدا لبلد رهنت مستقبلي ومستقبل عائلتي في سبيل مستقبله. فقد بدأت أشعر أكثر فأكثر بمثل هذا الإحساس وتراودني الأفكار بشأنه.
حاولت دون جدوى أن أسمو بمستوى الحديث. كان ذلك مستحيلا، بل أني أحسست أن الرجل كان محرجا، عندما ذكرت له بعض الأفكار حول المشكل التاريخي والنفسي والاجتماعي الذي