وأقول: الأحاديث في النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة العصر قد صحت بلا ريب، وهي عمومات قابلة للتخصيص بما هو أخص منها مطلقًا، لا بما هو أعمّ منها من وجه، وأخص منها من وجه، كأحاديث الأمر بصلاة تحية المسجد؛ فإنه من باب تعارض العمومَين، والواجب المصير إلى الترجيح، فإن أمكن ترجيح أحدهما على الآخر وجب العمل به، وإن لم يمكن؛ وجب المصير إلى الترجيح بأمور خارجة؛ فإنْ تعذر من جميع الوجوه؛ فالتخيير أو الاطراح في مادة".
قال الفقير إلى عفو ربّه: قال شيخ الإسلام: "فإن قيل: أحاديث النّهي عامة فنحن نحملها على عمومها إلا ما خصه الدليل، فما علمنا أنه مخصوص المجيء نص خاص فيه خصصناها به، وإلا أبقيناها على العموم.
قيل: هذا إنّما يستقيم أن لو كان هذا العلم المخصوص لم يعارضه عمومات محفوظة أقوى منه، وأنه لما خصّ منه صور علم اختصاصها بما يوجب الفرق، فلو ثبت أنه عام خص منه صور لمعنى منتف من غيرها بقى ما سوى ذلك على العموم، فكيف وعمومه منتف! وقد عارضه أحاديث خاصة وعامة عمومًا محفوظًا، وما خص منه لم يختص بوصف يوجب استثناءه دون غيره، بل غيره مشارك له في الوصف الموجب لتخصيصه، أو أولى منه بالتخصيص، وحاجة المسلمين العامة إلى تحية المسجد أعظم منها إلى ركعتي الطواف، فإنّه يمكن تأخير الطواف، بخلاف تحية المسجد، فإنَّها لا تمكن، ثم الرجل إذا دخل وقت نهي، إن جلس ولم يصل، كان مخالفًا لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مفوتًا هذه المصلحة، إن لم يكن آثمًا بالمعصية، وإن بقي قائمًا أو امتنع من دخول المسجد، فهذا شر عظيم، ومن الناس من يصلي سنة الفجر في