وقد ذهب الجمهور إلى وجوب تطهير الثلاثة للصلاة، وذهب جمع إلى أن ذلك شرط لصحة الصلاة، وذهب آخرون إلى أنه سنة، والحق الوجوب؛ فمن صلى ملابسًا لنجاسة عامدًا؛ فقد أخل بواجب، وصلاته صحيحة، والشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط -كما قزره أهل الأصول-؛ لا يصلح للدلالة عليها إلا ما كان يفيد ذلك، مثل نفي القبول، أو نحو: لا صلاة لمن صلّى في مكان متنجس، أو النّهي عن الصلاة في المكان المتنجس؛ لدلالة النهي على الفساد.
وأما مجرّد الأمر فلا يصلح لإثبات الشروط؛ اللهم إلا على قول من قال: إن الأمر بالشيء نهي عن ضده، فليكن هذا منك على ذَكْرٍ، فإنك إن تفطنت له رأيت العجب في كتب الفقه، فإنهم كثيرًا ما يجعلون الشيء شرطًا، ولا يستفاد من دليله غير الوجوب، وكثيرًا ما يجعلون الشيء واجبًا، ودليله يدل على الشرطية، والسبب الحامل على ذلك: عدمُ مراعاة القواعد الأُصولية والذهول عنها.
والحاصل: أن ما دلّ على الشرطية دل على الوجوب وزيادة، وهو تأثير بطلان المشروط، وما دل على الوجوب لا يدلُّ على الشرطية؛ لأن غاية الواجب أنَّ تاركه يُذَمُّ، وأمَّا أنَّه يستلزم بطلانَ الشيء الّذي ذلك الواجبُ جزءٌ من أجزائه، أو عارض من عوارضه: فلا.
فمن حكم على الشيء بالوجوب وجعل عدمه موجبًا للبطلان أو حكم على الشيء بالشرطية، ولم يجعل عدمه موجبًا للبطلانْ فقد غفل عن هذين المفهومين".
قال الفقير إلى عفو ربه: إنَّما سمي الشرط شرطًا لتقدمه على الصلاة، ووجوبه من حين الدخول فيها كأشراط الساعة، وشروط الطلاق، وشروط الحمل، والشروط في العقود ونحو ذلك، وفي الجملة فالخلاف في عبارة لا في معنى.
وصورة المسألة -التي يتبين بها كون إزالة النجاسة شرطًا هي-: فيما لو دخل الصلاة عالمًا بها متعقدًا، فهل تصح صلاته؟