للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حديث ابن عباس في رواية الأكثرين على ما فيه من ضعف، فهي إن لم تصلح للشهادة فلا تضر، كما لا يضر في الاتفاق المذكور الرواية الأخرى من حديث ابن عباس؛ كما هو ظاهر، وإذا كان الأمر كذلك فهذا اللفظ: "زوارات" إنما يدل على لعن النساء اللاتي يكثرن الزيارة بخلاف غيرهن، فلا يشملهن اللعن، فلا يجوز حينئذٍ أن يعارض بهذا الحديث ما سبق من الأحاديث الدالة على استحباب الزيارة للنساء؛ لأنه خاص وتلك عامة، يعمل بكل منهما في محله، فهذا الجمع أولى من دعوى النسخ، وإلى نحو ما ذكرنا ذهب جماعة من العلماء، فقال القرطبي: "اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة؛ لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك؛ من تضييع حق الزوج، والتبرج وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك، وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك؛ فلا مانع من الإذن لهن؛ لأن تذكّر الموت يحتاج إليه الرّجال والنساء.

قال الشوكاني (١): "وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الطاهر" (٢).

قال شيخ الإسلام: "فإن قيل: فهب أنه صحيح؛ لكنه منسوخ؛ فإن الأول ينسخه، ويدلّ على ذلك ما رواه الأثرم -واحتج به أحمد في روايته- ورواه إبراهيم بن الحارث، عن عبد الله بن أبي مليكة: "أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين! أليس كذلك نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن زيارة القبور؟ قالت: نعم كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها".

قيل: الجواب عن هذا من عدة وجوه:

أحدها: أنه قد تقدم الخطاب؛ بأن الإذن لم يتناول النّساء؛ فلا يدخلن في الحكم الناسخ.


(١) في "نيل الأوطار" (٤/ ٩٥).
(٢) "أحكام الجنائز" (٢٣٦).

<<  <   >  >>