للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجواب الرابع: جواب طائفة منهم -كإسحاق بن راهويه-؛ فإنهم يقولون: اللعن قد جاء بلفظ: "الزوارات"، وهن المكثرات للزيارة، فالمرة الواحدة في الدّهر لا تتناول ذلك، ولا تكن المرأة زائرة، ويقولون: عائشة زارت مرة واحدة ولم تكن زوارة.

وأما القائلون بالتحريم؛ فيقولون: قد جاء بلفظ: "الزوارات"، ولفظ: "الزوارات" قد يكون لتعددهن، كما يقال: فتحت الأبواب؛ إذ لكل باب فتح يخصه، ومنه قوله -تعالى-: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} ومعلوم أن لكل باب فتحًا واحدًا، قالوا: ولأنه لا ضابط في ذلك بين ما يحرم وما لا يحرم، واللعن صريح في التّحريم.

ومن هؤلاء من يقول: "التشييع كذلك"، ويحتج بما روى في التّشييع من التغليظ؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ارجعن مأزورات غير مأجورات، فإنّكن تفتن الحي وتؤذين الميت"، وقوله لفاطمة - رضي الله عنها - "أما إنّك لو بلغت معهم الكُدَى لم تدخلي الجنة حتى يكون كذا وكذا"، وهذان يؤيدهما ما ثبت في "الصحيحين" من أنه: "نهى النساء عن اتباع الجنائز".

وأما قول أم عطية: "ولم يعزم علينا"؛ فقد يكون مرادها لم يؤكد النهي، وهذا لا ينفي التحريم، وقد تكون هي ظنت أنه ليس بنهي تحريم، والحجة في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا في ظن غيره (١).

الجواب الخامس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علل الإذن بالرجال بأن يذكر بالموت ويرقق القلب ويدمع العين؛ هكذا في "مسند أحمد"، ومعلوم أن المرأة إذا فتح لها هذا الباب أخرجها إلى الجزع والندب، والنياحة، لما فيها من الضعف وكثرة الجزع وقلّة الصبر.

وأيضًا: فإن ذلك سبب لتأذي الميت ببكائها، ولافتتان الرِّجال بصوتهما وصورتها، كما جاء في حديث آخر: "فإنكنّ تفتن الحي وتؤذين الميت"، وإذا كانت زيارة النساء مظنّة وسببًا للأمور المحرمة في حقّهن وحق الرجال.


(١) في هذا الكلام نظر فهي أولى بفهم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يأت ما يخالف هذا الفهم عن الصحابة -رضي الله عنهم-.

<<  <   >  >>