للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

واختلف في ترجيح أحد هذين القولين على الآخر، فقال أبو محمد بن حزم: قول عائشة وجابر أولى، وتبعه على هذا جماعة؛ ورجّحوا هذا القول لوجوه:

أحدهما: أنّه رواية اثنين؛ وهما أولى من الواحد.

الثاني: أن عائشة أخص النّاس به - صلى الله عليه وسلم - ولها من القرب والاختصاص به والمزية ما ليس لغيرها.

الثالث: أنّ سياق جابر لحجّة النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - من أوّلها إلى آخرها، أتم سياق، وقد حفظ القصّة وضبطها، حتى ضبط جزئياتها.

حتى ضبط منها أمرًا لا يتعلّق بالمناسك، وهو نزول النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة جمع في الطريق، فقضى حاجته عند الشعب، ثم توضأ وضوءً خفيفًا، فمن ضبط هذا القدر فهو بضبط مكان صلاته يوم النّحر أولى.

الرابع: أنّ حجّة الوداع كانت في آذار، وهو تساوي الليل والنهار، وقد دفع من مزدلفة قبل طلوع الشّمس إلى منى، وخطب بها النّاس، ونحر بدنًا عظيمة، وقسّمها، وطبخ له من لحمها وأكل منه، ورمى الجمرة، وحلق رأسه، وتطيّب، ثم أفاض، فطاف وشرب من ماء زمزم، ومن نبيذ السقاية، ووقف عليهم وهم يسقون، وهذه أعمال تبدو في الأظهر أنّها لا تنقضي في مقدار يمكن معه الرّجوع إلى منى بحيث يدرك وقت الظّهر في فصل آذار.

الخامس: أنّ هذين الحديثين، جاريان مجرى الناقل والمبقى، فقد كانت عادته - صلى الله عليه وسلم - في حجّته الصّلاة في منزله الّذي هو نازل فيه بالمسلمين، فجرى ابن عمر على العادة، وضبط جابر وعائشة - رضي الله عنهما - الأمر الّذي هو خارج عن عادته، فهو أولى بأن يكون هو المحفوظ.

ورجّحت طائفة أخرى قول ابن عمر؛ لوجوه:

أحدهما: أنّه لو صلّى الظّهر بمكة، لم تصلي الصحابة بمنى وحدانًا وزرافات، بل لم يكن لهم بد من الصّلاة خلف إمام يكون نائبًا عنه ولم

<<  <   >  >>