وعن عبدِ خيرٍ، عن عليٍّ، "أَنَّه دعا بكوز من ماء، ثمّ توضأ وضوءًا خفيفًا، ومسح على نعليه، ثمّ قال: هكذا فعل رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم -؛ ما لم يحْدث" وفي رواية: "للطّاهر ما لم يُحْدث"، وفي هذا دلالة على أَن ما روى عن عليّ في المسح على النّعلين؛ إنّما هو في وضوءٍ مُتَطَوَّعٍ به، لا في وضوءٍ واجبٍ عليه حق حدث يوجب الوضوء.
وحالةٌ: تكون في النّعل، وهي حالة متوسِّطة بين كشفها، وبين سَترها بالخُفِّ، فأُعطيت حالةً متوسِّطة من الطّهارة -وهي الرّشّ-؛ فإنَّه بيَّن الغُسْل والمسح، وحيث أُطلق لفظ المسح عليها في هذه الحالة؛ فالمراد به الرّشّ؛ لأَنه جاء مفسّرًا في الرّواية الأُخرى.
المسلك السّابع: أَنّه دليل على أَنّ فرض الرَّجلين المسحُ، وحكي عن داود الجوارى وابن عباس، وحكي عن ابن جرير أَنَّه مخير بين الأَمرين، فأَمَّا حكايتُه عن ابن عبَّاس؛ فقد تقدَّمت، وأَمَّا حكايته عن ابن جرير؛ فغلط بيِّن، وهذه كتُبُه، وهذا وتفسيرُه؛ كلُّها تكذِّب هذا النّقلَ عنه، وإنَّما دخلتِ الشُّبهة؛ لأَن ابن جرير -القائل بهذه المقالة- رجل آخرُ من الشِّيعة؛ يوافقُه في اسمه واسم أَبيه.
وبالجملة؛ فالّذين رَوَوا وضوءَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ مثلُ عثمانَ، وأَبي هريرة، وعبد الله بن زيد، وكثيرين؛ لم يذكر أَحدٌ منهم ما ذُكر في حديث عليٍّ، وابن عبَّاس، مع الاختلاف المذكور عليهما" (١).