وأَوجب الغُسْل، فلعلَّ حديث على وابن عباس كان في أَوَّل الأَمر ثمّ نُسخ.
المسلك الثالث: أَن الرّواية عن عليٍّ وابن عبَّاس مختلفة؛ فرُويَ عنهما هذا، وروي عنهما الغُسل؛ كما رواه البخاريّ في "الصَّحيح" عن عطاءِ بن يسار، عن ابن عبَّاس؛ فذكر الحديث، وقال في آخره:" ... أَخذ غَرْفَةَ من ماء فرشَّ بها على رجله اليمنى، حتَّى غَسَلها، ثمّ أَخذ غَرْفَة أُخرى فَغَسَل بها رجلَه اليسرى"، فهذا صريح في الغُسل، ثمّ ذَكَر أَحاديثَ كثيرَةً صريحةً في غَسل الرِّجلين، ثمّ قال: قالوا: والّذي رَوى أَنَّه رشَّ عليهما في النَّعل هو هشام بن سعدٍ، وليس بالحافظ، فرواية الجماعة أَولَى من روايته، على أَن الثوريّ وهشامًا روَيا ما يوافق الجماعةَ: عن عطاء بن يسارٍ، عن ابن عبَّاس، قال:"أَلا أُريك وُضوءَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فتوضأَ مرَّة مرَّة، ثمّ غَسل رجليه وعليه نعليه".
وأَمَّا حديث عليٍّ؛ فقال البيهقي:"رَوَينا من أَوجهٍ كثيرةٍ عن عليٍّ أَنَّه غَسَل رجليه في الوضوء"، ثمّ ساق منها حديثَ عبد خير، وحديث زِرّ بن حُبيش، وحديث أَبي حيّة -إلى أَن قال:- قالوا: وإذا اختلفتِ الرِّوايات عن عليٍّ وابن عبَّاس وكان مع أَحدِهما رواية الجماعة؛ فهي أَولى.
المسلك الرَّابع: أَن أَحاديث الرّشّ والمسح إنَّما هي وضوء تجديد للطّاهر، لا طهارةٍ رفع حدث، بدليل ما رواه شعبة: حدَّثنا عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت النزال بن سبرة يحدّث عن عليٍّ: "أَنَّه صَلَّى الظّهر، ثمّ قعد في حوائج النَّاس في رحبة الكوفة، حتَّى حضَرَت صلاة العصر، ثمْ أَتى بكوزٍ من ماء، فأَخذ منه بحفنة واحدة؛ فمسح بها وجهه، ويديه، ورأْسَه، ورِجليه، ثمّ قام فشرب فَضْلَه وهو قائم، ثمّ قال: وإنّ ناسًا يكرهون الشُّرب قائمًا، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع كما صنعت، وقال: "هذا وضوء مَنْ لم يُحْدِث"، رواه البُخاريّ بمعناه.
قال البيهقي: "في هذا الحديث الثابت دلالة على أَن الحديث الَّذي رُوي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في المسح على الرِّجلين -إنْ صحَّ- " فإنّما عنى به وهو طاهر غير محدث.