للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الفقير إلى عفو ربِّه: وقدِ اشتهر في كثير من كتب الفقه بما يتعلَّق بهذه المسأَلة: أَمران؛ هما من قبيل الخطأ:

الأَوّل: قولهُم: بأَن حديث جابر -"كان آخر الأمَرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركُ الوضوء ممَّا مسّتِ النَّار"، رواه أَبو داود (١) وغيرُه- ناسخٌ لحديث جابر بن سمرة: أَنَتوضأُ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم"؛ وهذا خطأ؛ لأنّ جابرًا سأَله عن أَمرين: "أَنتوضأُ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت قال: أَنتوضأُ من لحوم الإبل؟ قال: "نعمْ"، أَخرجه مسلم (٢).

فهذا تفريق منه - صلى الله عليه وسلم - بين لحوم الإبل وغيرهما، وظاهر هذا أَنَّه كان بعد النّسخ، يدل على ذلك حديث البراء: "توضّؤا من لحوم الإبل، ولا توضّؤا من لحوم الغنم"، أَخرجه أَبو داود (٣)، وغيره.

الثَّاني: قولهم: إنه ثبت عن الخلفاء الأَربعة ترك الوضوء من لحوم الإبل.

وهذا لا أَساس له من الصّحّة، بل لا يعرف أَنّ أَحدًا من الصّحابة صرّح بترك الوضوء من لحوم الإبل.

ثمّ إنِّي وقفت على أَثر رواه ابن أَبي شيبة (٤) من طريق ابن عليّة، عن حميد، عن أَبي العالية: "أَنَّ أَبا موسى نحر جَزورًا، فأَطعم أَصحابَه، ثمّ قاموا يصلّون بغير طُهور، فنهاهم عن ذلك، وقال: ما أُبالي مشيت في فرثها ودمها ولم أَتوضّأ، أَو أَكلت من لحمها ولم أَتوضّأْ"، وإسناده صحيح.

فهذا يدلّ على أنّ الصّحابة كانوا يفتون بمقتضى الحديث.


(١) "السنن" (١/ ١٩٢).
(٢) (١/ ٢٧٥).
(٣) "السنن" (١/ ١٨٤).
(٤) "المصنف" (١/ ٥١٥).

<<  <   >  >>