للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثمّ إنَّه - صلى الله عليه وسلم - عَزَمَ عليهم، فقال -فيما رواه الشيخان- (١):

"غُسْل الجُمُعَةِ واجب على كلِّ مُحتَلِم".

فكان لأَهل العلم -نحوَ هذه النُّصوص- ثلاثة مسالك:

المسلك الأَوّل: الوجوب مطلَقًا؛ أَخذًا بظاهر حديث أَبي سعيد وابن عبَّاس.

المسلك الثَّاني: الاستحباب مطلَقًا؛ أَخذًا بظاهر حديث عائشة، وحديث الحسن، عن سمُرة.

المسلك الثالث: التفصيلُ في ذلك، وهذا الّذي أَفتى به ابنُ عبَّاس، فقد روى أَبو داود (٢) عنه -بسند حسن-، عن عكرمة: "أَن أُناسًا من أَهل العراق جاؤوا، فقالوا: يا ابن عبَّاس! أَترى الغُسلَ يومَ الجُمُعةِ واجبًا؟ قال: لا؛ ولكنّه أَطهرُ وخيرٌ لِمَنِ اغْتَسل، ومَن لم يغتسل؛ فليس عليه بواجب، وسأَخبرُكُم كيف بَدْءُ الغُسْل:

كان النَّاس مجهودين؛ يلبسون الصّوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضَيِّقًا مقارب السّقف، إنّما هو عِرّيش، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم حارٍّ، وعرِق النّاسُ في ذلك الصوف حتَّى ثارت منهم رياحٌ؛ آذى بذلك بعضهم بعضًا، فلمَّا وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الرِّيحَ؛ قال: "أَيها النَّاس! إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، ولْيَمَسَّ أَحدُكم أَفضلَ ما يجد من دُهنه وطيبِه"، قال ابن عبَّاس، ثمّ جاء الله بالخير، ولبسوا غيرَ الصّوف، وَكُفُوا العَملَ، ووسِّع مسجدُهم، وذهب بعضُ الّذي كان يؤذي بعضهم بعضًا من العَرَق".

وروى مسلم (٣) من قصَّة معاتبة عُمَرَ لِعُثمانَ - رضي الله عنهما - وقولِه


(١) البخاري (٨٧٩)، مسلم (٨٤٦).
(٢) (٣٥٣).
(٣) (٨٤٥).

<<  <   >  >>