وزعمت طائفة من متأخري أهل اللغة أن الكلام كله مشتق، وليس هؤلاء من الأولين ولا يقوم بأعيانهم مشهورين ولا في ذلك كتاب مصنف، ولا هو قول إمام متقدم وإنما قول المتعسفين من متأخري أهل اللغة. وفساده بين واضح كما ذكرنا.
وقد زعم جماعة أن أبا إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج كان يعتضد هذا المذهب ويقول: الكلام كله مشتق ويشنعون بذلك عليه ويضعون عليه حكايات باطلة ومعاذ الله من ذلك. وكلامه في ذلك واضح بين في كتابه الكبير في الاشتقاق، وذلك أنه يبتدئ بالباب في مسألة ويجعلها أصلاً ويرد إشكالها إليها ويلحق نظائرها بها. فلو كان عنده أن الكلام كله مشتق ما جاز أن يعقد له أصلاً يرد إليه غيره إذا كان ذلك الأصل أيضًا عنده مشتقًا.
وإنما قال ذلك القول على الزجاج من زعمه لأنه قصد أشياء كثيرة هي عند غيره غير مشتقة فاعتقد أنها مشتقة من غيرها وتكلم فيها وأراهم كيف وجه اشتقاقها بالمقاييس التي يوافقونه عليها. فأما أن يكون عنده الكلام كله مشتق فمحال ولم يقوله.
وزعم بعضهم أن سيبويه كان ممن يرى أن الكلام كله مشتق وتعلق بكلام له في كتابه في قوله إن مثل النجم والسماك والدبران وابن الصعق وما أشبه ذلك صفات لأسماء غلبت عليها لأسباب حدثت [و] اشتق لها منها هذه الأسماء ثم نقلت فإن ورد علينا ما نعرفه ولا يعرف اشتقاقه فإنما ذلك لأنه قد ذهب من كان يعرف معانيها أو لأن الأول الواضع كان عنده من العلم بذلك ما لم يصل إلينا، فقالت هذه الطائفة: الكلام كله مشتق وإن ورد علينا ما لا نعرف اشتقاقه فالسبب فيه