وكذلك الزكاة إنما كانت تعرفه العرب التكثير للشيء فتقول: زكا الشيء: إذا كثر وزاد ثم تعبدوا بأن قيل لهم سموا ما يرصد من أموالكم طاعة لله زكاة لأنكم إذا فعلتم ذلك زاد الله في أموالكم وبارك فيها وكثرها، فسميت زكاة لما يكون بعقبها من الزيادة والنماء في المال. فهذا هو معنى الاشتقاق من أن يوضع شيء مستأنفًا على أصل سابق له. وكيف يكون في الاشتقاق شيء أوضح من هذا.
وكذلك الصيام: كانت العرب تعرف كل ممسك عن فعل ما صائمًا ثم قيل لهم سموا الإمساك عن المأكول والمشروب نهارًا صيامًا وخصوه به لأنهم قد عرفوا أن الصيام إمساك ما. وصار هذا الاختصاص الثاني موضوعًا على الأول. ولو تعبدوا بالإمساك عن ذلك ليلاً لكان أيضًا يقال له صيام لأنه إمساك. ولذلك صارت الزكاة والصلاة وما أشبه ذلك مخصوصة بما وصفت له مطلقة، فإذا نقلت منه قرنت بغيره.
وكذلك الكفر كانت العرب تعرفه تغطية الشيء وستره فقيل لهم: سموا من خالف أمر الله ونبيه ولم يؤمن بهذه الشريعة خاصة كافرًا، فعقلوا ما خوطبوا به من معنى الكفر لأن الكفر إذا كان عندهم الستر فمعقول إنه مراد به أن الكافر ساتر نعم الله عليه أو ما عرفه من توحيد.
وكذلك المشرك والفاسق والمجرم والظالم والمؤمن والمسلم كل هذه أسماء مشتقة في الإسلام موضوعة على أصول متقدمة لها قد عرفها من خوطب بها.
وكذلك القرآن ليس لأحد أن يزعم أن العرب كانت تعرفه اسمًا لهذا الكتاب، بل كانت تعرف معنى القرء الذي منه أخذ القرآن فقيل لهم: هذا هو القرآن فعرفوه.