وأما إنكار نفطويه للاشتقاق [فقد] مضى من القول في ذلك عليه وعلى غيره ما فيه كفاية، ولكنا نقول لنفطويه خاصة إنه قد ناقض وقال بالاشتقاق هو نفسه ضرورة. فإن كان قال برد الاشتقاق ثم رجع عنه فذاك، وغلا فقد ناقض وكفى بمناقضته دليلاً على بطلان ما ذهب إليه من ذلك، وذلك أنه في كتابه «في أمثال القرآن» تكلم في الاشتقاق ورد كثيرًا من الكلام إلى أصل واحد فقال في قوله: {لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا} قال الفراء: البرد: النوم، وحكى: منع البرد البرد، يعني:«منع البرد النوم». ثم قال نفطويه: والبرد عند العرب: الراحة، فالمعنى: لا يذوقون فيها راحة ولا شرابًا، والنوم: الراحة، أفلا تراه كيف رد النوم إلى معنى الراحة وجعلها الأصل؟ فهذا هو الاشتقاق. وقال نفطويه في هذا الكتاب أيضًا - أعني كتاب الأمثال - في قوله عز وجل:{لن يجدوا من دونه موئلا} أي: ملجأ يقال: «وأل الرجل يئل» أي: لجأ. وبها سمي الرجل وائلاً. قال القطامي:
من صالحوه رأي في عيشه دعة ... ولا ترى من أرادوا ضره يئل
أي: ينجو. فما تكون مناقضة أعجب من هذا ألا تراه كيف قال: وبهذا سمي الرجل وائلاً. فكيف يضم إلى هذا نفي الاشتقاق؟ وقال في هذا الكتاب أيضًا في قوله عز وجل:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} أي: من ضيق. وروى أن عمر بن الخطاب - رحمه الله - قرأ عنده قارئ:{ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجا} فقال: ايتوني باعرابي بدوي، فأتي بغلام قال له: ما الحرج فيكم؟ فقال: الشجر الملتف لا تصل إليه الشمس. فقال عمر: كذلك قلب الكافر ضيق لا يصل إليه شيء من الخير. فأي شيء في الاشتقاق يكون أبين من هذا؟ وتشبه عمر قلب