للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيا لها من مفارقة: (الإمام المتبحر في أصول الشريعة وفروعها) يخاف من الشبهات ويحذر منها و (الشاب محدود الإطلاع على علوم الشريعة) يقدم على الشبهات ويغرف منها ولا يفهم سبب التخوُّف من مثلها خاصة مع قدرته على التمييز واختيار الأصلح.

لا أظن أننا بحاجة للمفاضلة بين الصورتين؛ إنما الذي نريد أن نتمعَّن فيه ونكثر التأمل وإدارة الفكر حوله، هو: لماذا كان السلف يتحاشون من الشبهات؟ ما سر هذا الحذر والخشية والفرار من الشبهات وأهلها ومواردها؟

إن أدنى قراءة لأي كتاب موسوعي يجمع آثار السلف يكشف لنا عن جملة من الأسباب التي كانت وراء هذا الموقف الشرعي من أولئك الأئمة، وهو يدل على أن خوفهم هذا كان قائمًا على وعي وفقه وعمق، فهو ترك واعٍ وليس مجرد تركٍ محض.

إن أول سبب يجب أن ننفيه هنا أن تكون خشية السلف من الشبهات بسبب (ضعفهم عن مواجهتها) أو (عدم قدرتهم على تفكيك إشكالياتها) أو (كونها جديدة عليهم وعلى معارفهم فلم يتمكنوا منها) أو أنه (راجع لطبيعة عصرهم وما توفَّر لديهم من معطيات محدودة)، فكلُّ هذا هواء وتخويف لا يستقرُ في عقل مَن سَبَر حال القوم أو اطلع على آثارهم، فإن الأئمة لما رأوا المصلحة في دخول معترك الشبهات ظهرت عبقرياتهم وقدراتهم البارعة في فهم الشبهة وتفكيكها وقلب طاولة الحجج على أصحابها، وانظر إن شئت لانتفاض الإمام الدارمي على الجهمية في (نقض عثمان بن سعيد) و (الرد على الجهمية) أو في الدلائل المهيبة في رد الأمام أحمد على الجهمية والزنادقة أو طالع محمد بن نصر المروزي

<<  <  ج: ص:  >  >>