للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأول: غفل عن المعيار البدهي والضروري؛ وهو أن منطلقه هو الكتاب والسنة، فمرجعيته في معرفة الحق هو الوحي وليس في مفتقدات الناس التي يفكرون من خلالها؛ فما قيمة معيارية الكتاب والسنة ما دام أنه سيأخذ بكل المعايير الأخرى؟

الثاني: أن الآخرين لا ينطلقون في تصوراتهم بناءً على مقارنتها بتصوراتنا، فهم ينطلقون بناء على ثقافتهم ومصالحهم؛ فمن الوهم الكبير أن يتخيل أحد أن الآخرين يكيِّفون حياتهم ونظمهم بحسب نظامنا، فإذا أبحنا لهم شيئًا أباحوا لنا مثله وإلا حرموه، لا أحد يفكر بهذه الطريقة، فهو خيال خاطئ رجع فأفسد وكسر المعيار.

الثالث: أنه لا وجود لمفاهيم كونية كلية متفَق عليها ينطلق منها الناس جميعًا؛ فحين تتحدث عن العدل والظلم والحق والخير والشر فكل له تفسيراته وتقديراته لهذه المفاهيم، وكل قول تراه حقًا يوجد في المقابل من يراه باطلًا، وكل أمانة يوجد من يراها خيانة، لا يمكن وضع قواعد كلية يتفق الجميع في النظر إليها فيتوحدون في حكمها على اختلاف زوايا نظرهم، وإن أمكن اتفاقهم في كثير من جزئياتها.

الرابع: أنه يساوي بين الحق والباطل، فيرى أن للباطل أن يفعل مثل ما يفعل الحق، وهذا مساواة بين أمرين قد فرق اللَّه بينهما {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [الأنفال: ٨]، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: ٣٥ - ٣٦] فالحق يجب نشره وحفظه والدفاع عنه والباطل يجب ردعه؛ فلا يساوى أبدًا من يدعو لتوحيد اللَّه بمن يحاد اللَّه ويسعى لحرب دينه، هذه مساواة باطلة ومخالفة للعدل؛ فالعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، وليس هو المساواة المطلقة

<<  <  ج: ص:  >  >>