فلا أحد في مأمن أن يتعرض للابتلاء في دينه؛ إلا أنه شتان بين من يبذل الأسباب الموجبة للثبات والحفظ والنجاة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت: ٦٩]. ومن يفتح على قلبه ذرائع الشكوك ودوافع الشبهات {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف: ٥].
وهذا يدفعنا للحديث عن السؤال المهم هنا:
ما هذه الدوافع والذرائع التى قد تكون سببًا لهذا الانحراف؟
لا يمكن لأحد أن يختصر وقائع الانحراف عن الإسلام والمروق من تكاليفه في سبب محدد؛ فمن طبيعة الظواهر أن تكون مؤلفة من مجموعة أسباب مركبة وظروف مختلفة تتكامل في تشكيل الظاهرة؟ غير أن ثَمَّ عاملًا محوريًا وأساسيًا في هذه الظاهرة يتبدى جليًا عند النظر في أكثر حالات هذا الانحراف، هذا العامل هو وقوع الإنسان في بيئة حاضنة للانحراف تغذي في نفسه دوافع الانحراف وتفتح ذرائعه وتخلخل الأصول الفكرية التي تشد المسلم ثم ترمي به في مهبِّ ريح الضلالات تعبث به كما تشاء.
بيئة الانحراف الحاضنة هذه تتميز بثلاث خصائص أساسية:
الخاصية الأولى: التشكيك في اليقين، والتزهيد به، وتعظيم الشك والتساؤل الفوضوي والبحث العبثي؛ حيث يشعر الشاب باستخفافٍ من أي منهج أو كتابة ذات رؤية يقينية، ويشعر أن اليقين نابخ عن ضعف الوارد ونقص الذكاء والفهم وقلة الاطلاع والثقافة، بخلاف الشاك المتوقد ذكاء وفهمًا بما يجعله قادرًا على الخروج عن النسق السائد ومحاكمة الأصول اليقينية التي لا يجرؤ عموم الناس عن الاقتراب منها لجهلهم وسذاجتهم.