منها ويجب تبرئة الشريعة من هذه النقيصة، وهذا هو لازم مؤدٍ للوقع في الفكرة العلمانية الصريحة التي غمرتها الأمة رفضًا واستنكارًا.
وهنا تكمن المشكلة: فالإلزام ببعض أحكام الشريعة قد لا يكون ممكنًا في بلد ما، أو يترتب عليه مفاسد أعظم في حالة ما، الخ هذه الأسباب التي يجب مراعاته عند تطبيق الأحكام الشرعية، فالموقف الصحيح حينها أنه واجب شرعي قد يسقط لعدم القدرة، وهذا أصل شرعي محكم {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: ١٦]{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦] وقاعدة السياسة في الإسلام تقوم على الأخذ بأرجح المصلحتين ودفع أعظم المفسدتين، فالإلزام ليس فرضًا في كل زمان ومكان وحال وشخص ونظام، بل قد يؤجل أو يسقط لاعتبارات عدة خاضعة للميزان الشرعي.
إذن أين المشكلة؟
المشكلة أن يتحول الاستثناء إلى أصل، وأن تنتقل الضرورة إلى حكمٍ ثابت وأساس محكم، فالقول بأن النفاق تابع وأثر للإلزام يعني أن أصل الإلزام كله مرفوض مطلقًا، وأن الشريعة ليس فيها إلزام، وهذا تجاوز وحذف لأصل شرعي ثابت ومجمع عليه ولا يمكن إنكاره، وكون الإنسان لا يستطيع تنفيذه أو يرى أن ثم ما هو أوجب منه أو يرى أن تنفيذه سيثير مفاسد معينة، كل هذا لا يجيز إلغاء الحكم الشرعي.
فالإنسان قد يضطر لشرب الخمر مثلًا، وهو شيء مقبول، بل ويجب عليه أن يشربه، ولو قال إن الخمر شراب من ضمن الأشربة ولا تشددوا على الناس، لعد قوله منكرًا شنيعًا ولو كان مضطرًا، لأن الضرورة في الشرب وليس في تغيير الحكم الشرعي.