أصحابها قد ساهم في خلق حالة وعي وإدراك عميق لدى الشعوب المسلمة تنفر بها من العلمانية حتى على المفهوم الأقل تطرفًا، وهو ما جعل كثيرًا من العلمانيين يهربون من مجرَّد الانتساب إليها.
إذن، فالوعي المسلم مدرك لخطر العلمانية بمفهومها المتطرف أو بمفهومها العتدل (الأقل تطرفًا). والإشكالية التي هي بحاجة إلى وعي وبحث وعناية هي في تسرُّب بعض المفاهيم العلمانية إلى الأحكام الشرعية؛ حيث أصبحت جملة من الأحكام الفقهية تقدَّم بصورة جديدة تجعلها مقبولة لدى التفكير (العلماني)، فالتفكير العلماني يرفض قيام القوانين والأنظمة في الدولة المدنية بناءً على (رؤية دينية) ومن ثَمَّ فلا تحفُّظ لديه على كثيرٍ من الأحكام الشرعية التي ليس لها تأثير على النظام العام: كأداء العبادات واجتناب المحرَّمات وأداء الصدقات. . . إلخ؛ وإنما الإشكالية في الأحكام التي لها تأثير كالحدود ومنع المعاصي والإلزام بالواجبات فجاءت هذه الخطوة لتتعامل مع هذه الأحكام بطريقة معيَّنة تجعلها مقبولة للتفكير العلماني.
هذا ما دفع بعضهم لرفع خاصية (المنع) و (الإِلزام) عن الأحكام الشرعية، فقدَّم الأحكام الشرعية على أنَّها أوامر ونواهٍ يطلب من المسلم فعلها أو اجتنابها، ومن يخالف في ذلك فيمكن مراقبته ومحاسبته من خلال النصيحة والموعظة الحسنة من غير أن يكون ثمَّ منع لهذه المحرَّمات أو إلزام لتلك الواجبات فضلًا عن العقوبات والحدود، فرسمها في هذه الصورة بحالة مقبولة تمامًا لدى التفكير العلماني المعاصر.
وتطبيق الشريعة وما يتبع ذلك من أحكام وآثار هو عند آخرين من آثار تطبيق الديمقراطية واختيار الأكثرية، فالإلزام بالأحكام الشرعية ليس راجعًا إلى كونها